محمد الشمسي
رغم أني أوْتَرْتُ قبل النوم ، ورغم أني تحصَّنت بالأدعية وأنا آوي إلى فراشي ، فقد رأيت فيما يرى النائم ليلة البارحة مناما فيه شيء من المزاح وشيء من الكوابيس ، رأيت سعد الدين العثماني شخصيا ، يقف في باب زريبة فيها اربعون خروفا ، يوزعهم على وزرائه بمناسبة العيد " الكبير" ، كانت أول مرة أرى فيها العثماني بشكل مباشر بعيدا أن شاشات التلفزات ، الرجل نحيف حقا ، ويضع نظارة تزيده نحافة ، ثم إنه يبدو مبرمجا على ابتسامة ولو كان عبوسا...
أخرج العثماني من خرفانه تلك كبشا مليحا ، ممشوط الصوف ، هادئ الطباع ، قرناه على شكل "عصى المخازنية" ملتوية سوداء، ورطبة الملمس ، إنه خروف وزير الداخلية ، خرفان الداخلية أليفة ومسالمة ، قليلة "التبعبيع" غزيرة "البعر" ، سار خروف الداخلية بخطى مـتأنية نحو وزيره ثم إلى مذبحه حيث استدار بكل تلقائية يفتش عن وجهة القبلة حتى إذا ولى وجهه نحوها اتكأ على جنبه الأيمن وتمدد ،ومد عنقه للنحر مستسلما لذابحه بدون مقاومة ، فعلا "حوالا الداخلية عاكلين " ومطواعين ....
ثم جاء الدور على أضخم الخرفان وأسمنها ، خروف مخطط الظهر بخطوط مثل النمر ، وعلى كل قرن من قرنيه رُسم العلم الوطني ، وباتت أذناه خضراء اللون من كثرة حلقات "الأونصا" ، إنه "خروف مخطط المغرب الأخضر" ، إنه "الحولي ديال وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية إلى آخره " ، والسيد أخنوش هو "رئيس الحكومة المنتظر" أو هكذا يعتقد العديد من " مربي الأكباش" ، لذلك لا غرابة أن يكون "الحولي لكبير" من نصيب وزير الفلاحة ، لأن "الوقت بدال" ، ومن يدري فغدا يصبح أخنوش هو "مول الكوري ديال لحوالا" ، وطبعا "دير الخير تلقاه" وأخنوش "ولد الناس ومينساش الخير" ، ولا فرق عند أخنوش بين " حولي مازوط وآخر ليصانص" ، وما بين " حولي 10 الخيل " وآخر " 14 عود".
وبعد ذلك أخرج العثماني خروفا وإلى جانبه نعجة ، ونادى على وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان ، الرجل يحرس على المساواة بين الجنسين ، فللذكر مثل الأنثى في عملية الذبح ، ووقف الوزير المكلف بحقوق الإنسان حائرا في كيفية جر الأضحيتين ، فقد قرر جر الأنثى ليتعبها الذكر ، لكنه خشي من الجمعيات الحقوقية تنعته بالميز والاتجار في الأضاحي ، لأن جر الأنثى فيه كثير من الإهانة لها ، فتراجع وقرر جر الذكر لتتبعه النعجة ، لكنه خاف من صيحات الاستهجان التي قد تصف عمله بكراهية الأنثى لأنه يضعها خلف الذكر ، ففكر صاحبنا في جر الاثنين معا دفعة واحدة ، لكنه وجد الخروف أقرنا والأنثى غير ذلك ، فعدل عن الجر لأن الجر من القرن يختلف عن الجر من الأذن ، وليس في ذلك عدل ولا مساواة بل في ذلك خرق للدستور ، فعاد الوزير وراء الأضحيتين ليدفعهما من الخلف ، لكن خانته قواه وهو في أواخر الستين من عمره ، فاهتدى في الأخير إلى المناداة على "طاكسي صغير" ليركب الخروف والنعجة جنبا إلى جنب ، فنال صاحبنا رضى هيومن رايش ووتش وتصفيقات غوتيريش وجمعيات الرفق بالحيوان.
وبعد ذلك أخرج العثماني أضحية لا هي بالخروف ولا بالنعجة ، صلعاء بلا قرون ، و"قرطيطة" بلا ذيل ، وجهها أبيض غارق في البياض ،أذناه متدليتين ، هي قريبة من أنثى الخنزير منها إلى سلالة الغنم ، إنها من "غنم سويسرا" ، وهي تخص السيد وزير الخارجية ، والوزير يستفتي وزير الأوقاف في أضحيته ، وهذا الأخير يفتيه أنها من الأنعام وسنها يوحي أنها أتمت ستة أشهر ، وهي سمينة غير منقوصة من اللحم والشحم ، ولا هي بالعوراء ولا بالعرجاء ولا بالمريضة ولا بالكسيرة ولا بالسكاء ولا بالخرقاء ولا الجدعاء ، ثم إنها جماء أي انها خلقت بغير قرنين وهي تجزي ، فساق الوزير أضحيته "الكاورية" .
وبعد ذلك نودي على وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي إلى آخره ، ليوتي كبشه بيمينه ، وكان كبشا أسودا في لون واقع وزارته ، أو لون سبورات أقسام مدارسه العمومية ، كبش وزير التربية لا يتوقف على "التبعبيع" ، وهو جامح حرون لا يهدأ ، لم يقو الوزير على سوق خروفه ، بل استعان بعناصر من "المخازنية" كانت تقف في الباب لضبط الأمن ، عقل "المخازنية" " الحولي ديال وزير التربية الوطنية وربطوه ، ثم وضعوه في "هوندا" ، وهو يترنح ويهتز "مبعبعا" متمردا على الوضع ، متوعدا بمقاومة عند وضعه وفك قيده ، والوزير من خلفه مذعورا ومندهشا لقوى هذا الحيوان التي لا تخار ولا تضعف.
ثم جاء الدور على كبش ليس كبقية الأكباش ، كبش معقم ، يضع نظارة و"كمامة" على أنفه تجنبا لرائحة زريبة زملائه ، كما يضع قفازات على حذافيره الأربعة تجنبا للسير فوق فضلات وبول إخوته ، ثم هو كبش يضع قبعة تقيه من حرارة شمس ، وتقيه من شر المينانجيت والحمى القلاعية واللسان الأزرق ، ومادام هو "الحولي ديال وزير الصحة " ، فلا غرابة أن يربط العثماني إلى قرنيه "ميكا ديال الدوا" ، منها "قويلبات دوليبران للسخانة" ، وقنينة من "السيرو ديال الكحبة" ، وطبعا "حولي وزير الصحة " لا يمسه إلا "الجالبون والمعقمون" لذلك أحضروا سيارة إسعاف مجهزة بالأوكسجين لتقل "الحولي إلى فيلا" الوزير .
فجأة قفز كبش عملاق من خلف زريبة العثماني وخلق هلعا ورعبا ، وطارده "الشناقة" ـ وما أكثرهم ـ وهو "يبعبع" بقوة حد رجع الصدى ، حينها استيقظت على وقع صياح كبش الجيران ، الذي حرمني من إتمام حلمي الجميل ...ولكم أتمنى أن أحلم بتتمة ممتعة لذلك الحلم ، حلم العثماني والأربعين خروفا ، أو حلم "لحوالا ديال الحكومة" .
لا توجد تعليقات في هذه الصفحة.. كن أنت أول المتفاعلين!