د.خالد العسري
الوثيقة وقصور التعريف بالذات
- من أصعب ما يقف عنده الباحث هو وضع تعريف محدد لمفهوم ما، ذلك أنه يتطلب في التعريف أن يكون شاملا حتى لا يغفل عن ما ينبغي ذكره، ودقيقا حتى لا يحشو تعريفه بما لا ينبغي أن يكون فيه.
- وإذا كان هذا الشأن مع تعريف المفاهيم والمصطلحات المجردة، فإنه يكون أصعب عند تحديد دلالات تنظيم كالعدل والإحسان، التي تندمج في تصوراتها حقول تربوية ودعوية وفكرية متعددة، وفي مسارها تجارب عقود من الزمن حيث يسعى التعريف إلى تعريف ذاتها لأعضائها، وتعريف ذاتها للأغيار الذين يختزلونها في فكرة أو فعل تجزيئي، كقولهم: جماعة صوفية، أو جماعة مناهضة للنظام، او جماعة تحلم بالخلافة أو ما شابه.
- لذلك، كان سؤال تعريف الذات من الأهمية بمكان، حيث يجتهد أصحاب التعريف في تحديد الهوية الملازمة للتنظيم في كل زمان ومكان وسياق، وحتى لا يعرف التنظيم بجزء من تصوره، أو بفعل من أفعال اقتضته سياقات جريانه.
- وقد وقر في ذهني أن من أشرفوا على صياغة الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان لم يولوا في وضع تعريف شامل دقيق للجماعة الاهتمام الواجب تجاهه، لذلك اعترى التعريف نقائص يمكن تجاوزها كما أزعم.
- ومن ذلك، أن التعريف المقدم - يراجع ضمن الصورة المرفقة مع التدوينة- لا يمنح خصوصية مميزة للجماعة عن غيرها من التنظيمات الإسلامية، ذلك أنه تعريف يمكن إسقاطه على غيرها دون قصره عليها، وبذلك يكون التعريف غير مبرر لهوية تشكل خصوصيتها.
- ومن ذلك، أن التعريف عرف الجماعة بكونها حركة إسلامية، وكان يكفيه القول أنها تنظيم أو جماعة، ذلك أنه قد استقر في الأذهان والمكتوبات في المغرب والمشرق أن الحركة الإسلامية تنعت به مجموع التنظيمات الإسلامية التي تشترك في ثلاثية:
.. الاعتقاد الجازم بضرورة العمل التنظيمي،
.. عدم الفصل بين الدين والسياسة،
..العمل على سيادة الشريعة في مختلف مناحي الحياة
- ومن ذلك، القول أنها حركة مجتمعية، وهذا ليس توصيف للذات بل طموح أي تنظيم ليتحول إلى حركة مجتمعية والذي يستوجب مجموعة شروط ومقومات لتحققه، والغريب أن التعريف نأى بنفسه عن التعريف الذي تعرف به الحركة المجتمعية في العلوم السياسية، وفسر ذلك بكون
المعنى أن "مكانها الأساسي والطبيعي هو المجتمع"، فيكون التساؤل عندها: وما يميزها إذن عن مختلف التنظيمات التي مكانها الطبيعي هو المجتمع أيضا؟
- وقد كان ممكنا أن تجعل بدلا من ذلك أن تقول أنها "تحمل مشروعا مجتمعيا غاياته الاستراتيجية: السورى والعدل والإحسان ووحدة الأمة"، فيكون كل ذلك مستمد من المفاهيم المركزية لمرشدها رحمه الله، ويكون كل ذلك مما يمنحها خصوصيتها المميزة.
- وإذا كان الشرط في التعريف الدقة، فإن تعريف الجماعة في الوثيقة حضر فيه الحشو الذي وجب حذفه، ومن ذلك القول ب"الأصل والمنشأ" إلا إذا كان لكل منهما حمولته الدلالية التي لا يمكن الاستغناء عنها، وحذف "مكانها…" في آخر الفقرة لأن ذلك مكانه عند شرح التعريف الذي يستخدم لغة كثيفة، وهذه الكثافة هي المطلوبة عند صياغة المقطع الثاني في التعريف والذي لم نتوقف عنده لعدم مزيد من الإطالة.
- ولأن التعريف يكتب بمفاهيم دقيقة فإنه ينتظر بعد وضعه بذل الجهد لتفسيره حتى لا يخضع لتأويل ينافي مقاصده، وهو ما أغفلته الوثيقة.
لا توجد تعليقات في هذه الصفحة.. كن أنت أول المتفاعلين!