مع الذكرى التاسعة التي أقامتها جمعية الشهيد كمال عماري وأصدقاؤه مواكبة لظروف الحجر الصحي، بندوة حقوقية، ويوم الشهيد الوطني، اجمع النشطاء الحقوقيون وعدد من الفعاليات الإعلامية خلالها، ان الغموض لازال يكتنف السلوك الرسمي تجاه الملف، وصمت مطبق بعد الاعتراف الرسمي الذي أتى على لسان المجلس الوطني لحقوق الإنسان، منسجما مع مواقف دولية ووطنية. في اختطاف وتعذيب عدد من نشطاء الحراك وقتل الشهيد كمال عماري نتيجة تدخل أمني.
توجهنا بهذه الأسئلة إلى الأستاذ أبو الشتاء مساعف، الفاعل الحقوقي و احد ابرز المهتمين بهذا الملف منذ بدايته، ليضعنا أمام مستجدات الملف، والوضع الراهن ببلدنا في تقديره.
س: هل يمكن وضع القارئ في قلب ملف الشهيد كمال عماري؟
ج: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، أشكر بداية موقع "الحرية تيفي" على هاته الفرصة للحديث عن ملف الشهيد كمال عماري وجميع شهداء الشعب المغربي رحمهم الله تعالى، الذي سيبقى شاهدا على جريمة الدولة وعلى الظلم الذي يطال مواطنيها الذين خرجوا يطالبون بحقوقهم المشروعة، ولكن للأسف تواجههم إما بالقتل أو الاختطاف والتعذيب أو صناعة ملفات لزجهم بتهم ومدد ثقيلة.
وجوابا على سؤالكم فالحكاية بكل اختصار هو أن الشهيد كمال عماري رحمه الله وعلى غرار باقي شباب المغرب انخرط في حركة 20 فبراير إبان ربيع الشعوب، وشارك بقوة في كل أنشطتها بمدينة آسفي التي خرجت كباقي المدن المغربية في مسيرات سلمية وحضارية للمطالبة بإسقاط الفساد والاستبداد وتحقيق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
مسيرات وفعاليات تعاملت معها السلطة بمقاربة أمنية وقمعية خطيرة بلغت ذروتها في 29 من ماي 2011 حيث تعرضت مسيرة الحركة بمدينة آسفي للتفريق بالقوة والاعتداء على المناضلين نال منه الشهيد كمال النصيب الأوفر عندما انفرد به سبعة من عناصر الأمن وانهالوا عليه بالضرب والركل بشكل همجي أصيب فيه الشهيد بجروح خطيرة في الرأس والعين وعلى مستوى الركبة، ومع التدهور الخطير لحالته الصحية نقل في الثاني من يونيو2011، إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الإقليمي بآسفي حيث لفظ أنفاسه الأخيرة في مشهد تناقلته وسائل إعلام دولية ووطنية.
س: بم تفسرون صمت النسق الحاكم لحد الآن منذ صدور الاعتراف الرسمي على لسان المجلس الوطني لحقوق الإنسان؟
ج: أمام هذه الجريمة البشعة والانتهاك الصارخ للحق في الحياة، سارعت العديد من المنظمات والهيئات الحقوقية الوطنية والدولية لتبني ملف الشهيد كمال عماري رحمه الله، حيث أدانت الاعتداء الوحشي الذي تسبب في الوفاة وحملت الأجهزة الأمنية المسؤولية الكاملة فيها وطالبت بفتح تحقيق نزيه يحدد المسؤوليات ويرتب الجزاءات ويكشف الحقيقة الكاملة لظروف القتل.
وأمام هذا الإحراج والضغط الحقوقي اضطرت مؤسسة رسمية هي " المجلس الوطني لحقوق الإنسان "للاعتراف والإقرار بمسؤولية الدولة في وفاة الشهيد كمال عماري رحمه الله بعد تعرضه للاعتداء المفرط من طرف القوات العمومية، وكان ذلك على لسان رئيسه السيد ادريس اليزمي حين قدم تقريرا حول وضعية حقوق الإنسان والحريات بالمغرب أمام مجلس البرلمان يوم الاثنين 16 يونيو 2014.
اعتراف للأسف الشديد لم يترجم لإجراءات تقطع مع جريمة الإفلات من العقاب وتربط المسؤولية بالمحاسبة، وبقي التقرير حبرا على ورق، وتم تجميد وتعطيل الكشف عن الحقيقة كاملة ومتابعة الجناة وإنصاف عائلة الشهيد رحمه الله تعالى وجبر الضرر، مما يجعل مسؤولية الدولة وبالتبع المجلس الوطني لحقوق الإنسان مسؤولية تاريخية جسيمة في هذا الملف.
س: كيف ترون المشهد الحقوقي والسياسي العام في ظل العديد من ملفات شهداء الحراك بما فيهم كمال عماري أو ما يجري من تعسفات مثل ملف الصحفي سليمان الريسوني؟
ج: المشهد العام بالمغرب يعرف ردة حقوقية، ووضعا متأزما إن على المستوى الاقتصادي او الاجتماعي، فالجائحة أظهرت هشاشة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وفراغ الشعارات التي تحاول الدولة تسويقها في المنتظم الدولي، وأفرغت الدستور من وظيفته والمؤسسات المنتخبة من مهامها واختصاصاتها، وأصبحنا لا نسمع إلا صوتا واحدا يسوق الوهم ويحاول فرض قبضته الحديدية بالاعتقالات وانتهاك الكرامة الآدمية للمواطنين ليحاول التغطية والتعمية على المشاكل الحقيقية للشعب المغربي.
وتجدر الإشارة هنا أن الدولة استغلت ظروف الجائحة لتكرس مزيدا من السلطوية، من خلال سن تشريعات وقوانين وإجراءات تخنق الحقوق والحريات، ففي الوقت الذي كان ينتظر من عقلاء البلد أن يستفيدوا من دروس كورونا ويقلبوا النظر جيدا في مآلات مغرب ما بعد الجائحة، بالبحث عن نموذج تنموي حقيقي يستحضر متطلبات الواقع وتحديات المستقبل، فإذا بالمقاربة القمعية البوليسية هي جواب الدولة على كل صوت يحاول أن يوجه البوصلة، والنتيجة عشرات الضحايا من مدونيين ومعارضين، وفي هذا السياق يأتي اعتقال الصحفي سليمان الريسوني كضحية لهذه العقلية التي تزعجها الأصوات الحرة، والتي يتزايد عددها للأسف يوما بعد أخر وراء القضبان فرج الله عن الجميع.
وبالعودة لملف شهداء الحراك المغربي ومنهم الشهيد كما ل عماري رحمهم الله تعالى، فدم هؤلاء الشهداء لن يذهب سدى، رغم تماطل الدولة في كشف الحقيقة وجبر ضرر العائلات المكلومة، فهذه الملفات لا يطالها النسيان ولا تتقادم مع مرور الوقت، بل ستظل وقودا لدينامية الشعب المغربي وقواه الحية من أجل تجديد مطالب الحراك المغربي والانخراط في مبادرات جادة من أجل التغيير المنشود. وبهذه المناسبة، نستهل هذه الفرصة لاقتراح تأسيس جبهة أو هيأة وطنية ضد عنف السلطة من أجل المطالبة بالحقيقة والإنصاف وجبر الضرر والعمل على ألا يتكرر ما جرى ومحاربة سياسة الإفلات من العقاب، وتخليد يوم 2يونيو من كل سنة يوما وطنيا للشهيد يتم إحياؤه حفاظا على الذاكرة الشعبية ووفاء لشهداء الشعب المغربي رحمهم الله جميعا.
لا توجد تعليقات في هذه الصفحة.. كن أنت أول المتفاعلين!