بقلم: وردة العجوري*
رسالة إلى المسؤولين...
لست بوسيطة ولا بوزيرة ولا بنائبة برلمانية...ولا امثل اي قيادة أو هيكلة حزبية سياسية، ولا اي وساطة حتى، مثلما فعلت مايسة أو زيان أو بن كيران ......وغيرهم الذين ظهروا مؤخرا.....
ولكنني اكتب، بصفتي انتمي الى الشعب المقهور، الذي انتفض من شدة الحكرة والتهميش وسياسة التفقير....الأسباب المباشرة التي أدت بالعديد من الشباب إلى الانتحار والهجرة والعزوف عن الزواج والتشاؤم وتعاطي المخدرات وبالتالي إلى أمراض نفسية أو عقلية....هذه المعاناة الخطيرة التي يعيشها الريف خصوصا لمدة تفوق ستين سنة.....
اكتب،بصفتي من جذور "جزناية"،(اصل المجاهد عبد الكريم الخطابي)، القبيلة التي تعاني من القحط في جميع المجالات، بدءا بقطاع الفلاحة، ووعورة تضاريسها ، وغياب البنيات التحتية، وبعد المدارس، وانعدام الاعداديات والثانويات ببعض الجماعات، باختصار : غياب ابسط وسائل العيش البسيط حتى من الماء...رغم أن اجداد المنطقة ساهموا بشكل كبير في الاستقلال من الاستعمار الفرنسي...ولعل "ثالوث الموت"خير دليل على ما سجله التاريخ.....
اكتب....لكوني بنت الحسيمة الحبيبة التي ترعرعت فيها منذ ولادتي، ولأن المدينة لا تتوفر على جامعة، ووالدي محافظا، اختار لي مهنة التعليم التي كان تكوينها آنذاك يتطلب شهادة الباكالوريا، لحسن الحظ أنني أحببت عملي، خصوصا واني احب الأطفال بجنون....
ولكنني مازلت اعاني لحد الان مشقة الطريق إلى العمل في العالم القروي (بحجرات ذات بناء مفكك يسبب مرض السرطان حسب الدراسات العلمية) من جهة ، ومشقة الطريق إلى مدينة أخرى لمتابعة الدراسة أثناء الامتحانات من جهة أخرى ، مادمت لم أنسى بعد طموحاتي.....
اكتب كمواطنة بلا عنوان....بلا سكن...حتى مؤسسة محمد السادس وضعت عقد الزواج كأول شرط للاستفادة بالسكن الاجتماعي...فتم إقصاء كل من العازبات والعزاب والمطلقات والمطلقين ،الغير متوفرين على أطفال ، من الحق في السكن، ومن الانتقال، حيث وضعت الوزارة الوصية معايير تعجيزية لذلك....
وحتى بيت اهلي لا يتوفر على عنوان : لا رقم ولا اسم الشارع ، ولا حتى الشوارع في بعض أحياء المدينة.....
نريد عنوانا في هذا الوطن......
اكتب....لأن هناك من يعاني، ومن تعاني أكثر مني، بلا عمل، بلا استقلال مادي، بدون دراسة، بلا مأوى ، بلا صحة ولا ضمان اجتماعي.....بدون وبدون ....وبدون.....بلا أي حق إنساني.....
أكتب.....لأنني رأيت أكبر منكر في الوجود، وهو طحن انسان مع النفايات، هذا الشهيد الذي كان يبحث عن لقمة العيش، لمساعدة عائلته ، واستعداده لبناء أسرة....
تلك الفاجعة الاليمة هي النقطة التي أفاضت كأس الجماهير الشعبية، بدءا بليلة وفاته بحاوية الأزبال مع اسماكه، ثم مسيرة جنازته التي تسلسلت كيلوميترات عدة من الحسيمة إلى امزورن....
مرورا الى انتفاضات، احتجاجات ، ووقفات ومسيرات سلمية حضارية، راقية....بالإضافة إلى تسطير ملف مطلبي ،حقوقي ،يعكس جل ما يفتقر إليه الإقليم خاصة، والريف ثانيا، والشعب المغربي عامة....ليشمل مطالب اقتصادية، اجتماعية وثقافية محظة....وكان أول مطلب هو التحقيق النزيه والعادل في قضية طحن الشهيد "محسن فكري"....
أيها المسؤولون ...أين أنتم!
أين هو صندوق المقاصة..!!هل هو مازال على قيد الحياة ام اندثر، للارتفاع المهول الذي تعرفه المواد الغذائية وغيرها، فيعجز الشعب عن القدرة الشرائية....!!!
أين هو البحث النزيه في أمر أزمته..!!وأين هي المحاسبة....!!!!
أين هو التحقيق الشامل في مقتل الشهيد..!!!
اينك يا وزير الصيد البحري والفلاحة والتنمية القروية والمياه والغابات.!
لماذا ثمن أبسط أنواع الحوت (السردين )ب 20 درهم في فصل الشتاء، وب 40 درهم في فصل الصيف، أما باقي الأنواع فحدث ولا حرج...!!!
هذا بمدينة وكأنها جزيرة من كثرة البحار المحيطة بها، والأسماك النادرة المتنوعة....
فأين تذهب إذن أسماك الشعب.....!!!!!
اينك من الفلاحة؟ ؟
فالاقليم لا يتوفر على منتوج فلاحي...ولا استثمار الأراضي للفلاحة...
نحن نريد زراعة الخضر والفواكه التي يحتاجها الاستهلاك البشري ، ولا نريد زراعة أخرى تدمر صحة وحياة الإنسان.... وبالمقابل تغني الطبقة البورجوازية....
أين أنت يا وزير الصحة..!!
فالحسيمة تنادي من كثرة الأوجاع والآلام والأمراض، وعدم توفر أغلبية الساكنة على الضمان الاجتماعي ولا تعاضدية ولا اي مساعدة للتطبيب ، والطامة الكبرى انه يتواجد مستشفى واحد يتوافد إليه كل نسمة الإقليم ، ويفتقر للمعدات والأجهزة والأدوية والموارد البشرية، مما يؤثر سلبا على تطبيب المرضى، وأكثر من ذلك يتم إعطاء موعد لزيارة الطبيب بعد مدة تفوق شهرين غالبا......
بالإضافة إلى هذا فالساكنة تحتاج إلى مستشفى جامعي لمرض السرطان، الذي هلك حتى الأطفال الأبرياء من كل الغازات السامة، التي خلفاها لنا الاستعمارين....
اينك يا وزير التعليم...!!
من اين ابدأ ، وقد كاد أن يكون هذا القطاع في خبر كان...بعدما تم الاتفاق على خوصصته ، والمصادقة على ذلك، والشروع في التوظيف بالتعاقد.....
هذا بغض النظر عن باقي الكوارث والمعاناة التي يعيشها الاستاذ(ة)والتلاميذ بشكل يومي، وخصوصا بالعالم القروي، من اكتظاظ ، وأقسام مشتركة ، وانعدام وسائل التعليم، والتدفئة، السكن، الطرق المعبدة والغير معبدة ، وسائل النقل، ساحة، فضاء واستاذ للرياضة،استاذ اختصاصي للغة الأمازيغية...
الاقتطاعات من الأجور،الاعفاءات التعسفية، عدم تسوية الوضعيات المالية والترقيات خصوصا للسلالم الدنيا....
الثالوث الملعون للتقاعد....والرفع من سن التقاعد النسبي....وأزمة صندوق التقاعد....
أين وصل تقصي الحقائق في هذا الصندوق؟ وأين هي المحاسبة ؟
-انعدام جامعة متعددة التخصصات بالإقليم....مما سبب في الهدر المدرسي للعديد من أبناء الحسيمة خصوصا الإناث....
أين أنت يا وزير التشغيل...!!
أليست في حوزتك نسبة البطالة التي تعم الإقليم خاصة، و المغرب عامة!!!!
ألا تعلم أن الحسيمة لا تتوفر على أي معمل ولا شركة ولا اي مصنع!!
وأنه تم اندثار أربع معامل لا ندري كيف ولماذا وإلى أين ، في الوقت الذي تزداد فيه الكثافة السكانية...ونسبة الشباب والبطالة والأرامل والمطلقات....!!!!
هذا علما ان أغلبيتهم شهدوا كل أنواع المعاناة المادية والمعنوية ، حين انتقلوا إلى مدن أخرى رغبة في إتمام الدراسة الجامعية، أو بحثا عن العمل....
وهذه هي الأسباب المباشرة التي تؤدي إلى الهجرة أو الانتحار، ولعلك تتوفر على لائحة المنتحرين والوفايات بالبحار خلال كل السنوات ، خصوصا سنة 2017....رغم أن هذه السنة لم تعرف جفافا ولا أزمة اقتصادية....وان الدولة تتوفر على مصادر ثروية هائلة من فوسفاط ومعادن وخيرات أخرى.....
الشعب يريد حقه في العمل يا وزير التشغيل.....
اينك يا كاتبة الدولة لدى وزير التجهيز والنقل واللوجيستيك والماء المكلفة بالماء، وكاتبة الدولة لدى الوزارة المكلفة بالمياه....ويا كاتبا الدولة لدى وزارة المياه المكلفان بالمياه....
ويا من هو مكلف بالكهرباء......
لماذا تفتقر معظم الدواوير والقرى للماء والكهرباء.....؟
لماذا لم يتم تشييد السدود و تزويدهم بالحق في الشرب والنور....!!!
لماذا يتم بيع هذا القطاع للشركات ، حتى أصبح الشعب يؤدي ضرائب أكثر مما يشتريه خبزا.....
نحن لا نريد بيع القطاعات يا بشر....حتى يتم بيع البشر...وكأننا في عصر العبيد....الغني يأكل الضعيف الفقير......
أين أنت يا وزير منتدب لدى وزير الخارجية المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة...!!!
ما محلك من الحسيمة، وماذا أعددت للجالية المهجرة....!!!!
أين أنتم يا باقي المسؤولين جميعا....!!!
ما هو سر صمتكم اتجاه الحراك الشعبي بالريف، وبالحسيمة خصوصا..!
لماذا لم نرى سوى اتهامات أغلبية الأحزاب المشكلة للحكومة، ورئيسها، عبر التلفاز، عن بعد....تلك الاتهامات الواهية الباطلة دون أي حجة ولا دليل، والتي تكمن في الانفصال والتمويل والفتنة والتخريب....
فهل المظاهرات السلمية التي كانت تحمي نفسها بنفسها، والتي أبهرت العالم تعتبر تخريبا...!!!!
هل المسيرة النسائية ليوم 8 مارس 2017 بالحسيمة ، والتي احتلت المرتبة الثالثة عالميا، تعتبر أيضا فتنة..؟ ؟ ؟
لماذا لا نرى سوى قدوم وزير الداخلية....!!!
فمن وراء سياسة الضرب والقمع والاعتقالات بالجملة التي لم تنتهي بعد، في وجه المحتجين بكل سلمية على حقوقهم وعلى إخوانهم والأخت المعتقلين الأبرياء من جميع التهم الخطيرة المجهزة لهم...
وأول شعار يرفعونه في مركز المدينة وباقي الإقليم كامزورن:
-سلمية سلمية....لا حجرة لا جنوية.....
فهل جزاء السلميين هو البحث عن المواجهة والاعتقال والضرب المبرح!
هل هذا هو جزاء أحفاد المجاهدين والمقاومين للاستعمار الإسباني ، هؤلاء الذين ساهموا بشكل مباشر في استقلال المغرب ، وعلى رأسهم الصنديد الذي كان قاضيا بمليلية المحتلة، الباسل مولاي موحند.......
هل مصير أبناء الشعب الذين يطالبون بأبسط الحقوق المشروعة الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية....والتي تتجلى معظمها في الصحة، والتعليم المجاني، والعمل....لتوفير العيش الكريم....
هل مصيرهم هو السجن!!!!
هل من عبر على وطنيته، بالسلمية لمدة سبعة أشهر ، وبفضح المفسدين حتى لا يعم الفساد في البلاد ، لحبه وغيرته على الوطن....هل يكون جزاءه اتهامه بالانفصال، ومس أمن واستقرار الدولة والتحريض على الشغب....
فأي شغب هذا واي انفصال هذا الذي تتحدثون عنه، وانتم اخواننا داخل المغرب.....بينما العالم بأسره قد شهد واعترف بحضارة ورقي ، وحكمة ووطنية أبناء وبنات الريف ...حين خرجت جميع الشرائح من اطفال، شباب، شيوخ، نساء ورجال...معاقين...وحتى من ذوي الاحتياجات الخاصة.....بالشموع والورود والزغاريد والطنطنة، وأكثر من ذلك...بتكوين سلاسل يدوية لحماية المسيرات ، والممتلكات العمومية، وحتى حماية الأمن الوطني والادارات، والكوميسارية.....
أين هي إذن الاتفاقيات الدولية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان..!!
وأين هي الاتفاقيات الدولية لحقوق الطفل...!!
والمنظمات الدولية النسائية!!!!
نريد حقوق الطفل الذي يرتعد كل يوم من الخوف والأجواء المعسكرة.
وحتى ان الإقليم لا يتوفر على طبيب نفساني واحد....
نريد حقوق المرأة وخصوصا الأمهات اللواتي يتألمن ويتعذبن معنويا ، بسبب قلقهن على اولادهن المحكورين، والمحتجين ، والمعتقلين...
نريد حقوق الإنسان بصفة عامة، فأين الحسيمة من الإنسانية...!!!!
نريد رفع ظهير العسكرة ، وبدل إلغائه بظهير شريف آخر ، نلاحظ تنفيذه ، بوفد جميع تلاوين القوى العسكرية ، من درك حربي، وشاحنات ، وقنابل مسيلة للدموع....وتطويق الإقليم والشوارع والازنقة بالقوى القمعية.....
انحن بالحسيمة ام في حلب...أم غزة....!!
أيها المسؤولون......
عودوا إلى رشدكم وحكمتكم قبل فوات الأوان، فلا نريدها فتنة ولا تخريبا....ولا ما لا يحمد عقباه.....
لا أدري لما لا يتم الحل الأسهل ، لتسطير برنامج تلبية الملف المطلبي الحقوقي....بدل تجريب سياسة 84 التي يمكن أن تتحول إلى سياسة 58 عن قصد أو عن غير قصد.....
فماذا تنتظرون بعد، لتساهموا في استقرار البلاد، وتطلقوا سراح المعتقلين السياسيين الأبرياء، بعدما انتفضت جميع المدن المغربية، وحتي الدول الأوروبية وغيرها من الدول الاجنبية....!!
لم أفهم لما يتم زيادة الطين بلة، وخصوصا حين تم الحكم هذا اليوم على معتقلي الحسيمة بالسجن لمدة ثمانية عشر شهرا......!!!
ان هذا الحكم سيزيد تشحينا وغضبا واحتجاجا للساكنة ، وستخرج حتما كل عائلات المعتقلين إلى الشارع......
بينما كان يشارك من قبل مناضل واحد من كل عائلة.....
إلى أين يسير بنا هذا المركب، لا أريده أن يكون مثل مصير باخرة تيطانيك.....
هل هذه السياسة التي تواجه الحراك الشعبي هي بمثابة التجربة لمعرفة ردة فعل الشعب وتخويفه ، وترهيبه ، لإدخاله البيوت....!!!
فإذا كان كذلك ، لما لم يخطط هذا قبل شهور، قبل أن ينفجر الشعب أكثر ، وقبل أن يؤدي القسم الذي لا يمكن التراجع عنه، ولا خيانة عهد التضامن والاتحاد حتى إطلاق جميع المعتقلين، وتحقيق الحقوق...
إذن...فقد فات الأوان للتخطيط لمثل هكذا مخرج من المأزق الذي تورطت فيه جميع السياسات....وأصبحت تشتغل جميع الأحزاب والبرلمان والحكومة...بعدما كانت عاطلة لمدة تفوق أربعة أشهر.....
خذوا المناصب والكراسي....واحتفظوا حتى بالأحزاب التي تزعزعت هبتها.....لكن ، اتركوا لنا الوطن وابسط الحقوق......
خلاصة القول:
ساعيدها:
نحن لا نريد سياسة امبريالية التي تسعى إلى تفرقة الشعوب....
ولا نريد سياسة ديكتاتورية ،رأسمالية تتلهف لتفقير وطحن الطبقتين المتوسطة والفقيرة.......
بل نريد سياسة ديموقراطية توزع ثروة الوطن بشكل ديموقراطي، لتحبيب الوطن، والنهوض بالبلاد إلى العمل والتقدم نحو الأمام...
فدعونا نحب الوطن والحياة بسلام.......
*ناشطة ريفية
لا توجد تعليقات في هذه الصفحة.. كن أنت أول المتفاعلين!