" وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث "

الحرية تي في - الحرية تي في آخر تحديث : 26‏/4‏/2020 17:24

received_717980775387319.jpeg (43 KB)

د.أمينة مدرك

  " وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث "

مرة أخرى يستوقفني قول جليل و يدعوني للتأمل فيه و الإجتهاد من الناحية اللغوية أولا ، ثم من الناحية الفقهية إن لزم الأمر. و بما أني آمنت كثيرا أن القول القرآني الحكيم لم يقف أبدا عند اللفظ و إنما ذهب إلى القصد. استغربت كيف يذهب معظم الناس للقول على أن المراد منه هو الحمد لله و الشكر قولا و التعبير عن نعمة الله و إظهارها في المأكل و المشرب و الملبس .!!. أي أنهم حصروا كلمة التحديث بالشيء أو الحديث عنه في الإفصاح عنه و هي في كل الحالات كلام عنه وتعبير شفوي أو جسدي ظاهري ملموس. وحصروا كلمة "النعمة" في الشيء المادي المعروف بالرزق أو لنقل بالمال و الخيرات و الصحة الجسدية وغيرها من الأمور الحسية.
و لذلك نرى كثيرا من الناس يتباهون بمظاهر البذخ و الأبهة و الإسراف والحلل البهية و الموائد الغبية و السيارات الفارهة و إذا ناقشتهم أجابوك :" وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث"
فترى بهم من حب الظهور و سطوة المظاهر و البهرجة ْالفارغة و الخيلاء ما يجعلك تفكر :"حاشا أن يتناقض رب العالمين ويوصي بالتواضع والزهد و الإعراض عن الدنيا ثم يريد منك أن تتباهى و تتخايل و تغتر وهو "لا يحب كل مختال فخور" !!!؟؟
اجتهادي البسيط اليوم يقول:- و بعيدا عن عقم الخطاب الديني المجرد وبعيدا عن النقل من الفقهاء و ممن سموا أنفسهم "علماء"و رددوا لنا أقوال السلف كالببغاوات دون زيادة أو نقصان و تركونا أمام مسودات غامضة، أدخلت العقول الضعيفة في لبس و لغط؛ حتى صار كل يفتي بفتواه و كل يردد على هواه.
التحديث بالنعمة فعلا هو الكلام عنها و التعبير عنها و الإفصاح عنها و التبليغ بها و لكن كيف ؟ بالفعل و ليس بالقول ...بل عكس ذلك يجب التعبير بصمت و قنوت و خشوع دون كلام و ثرثرة. بحيث تظهرها منك لا عليك. تماما دون أن تتكلم. و بما أن النعمة كلها لاعلاقة لها بالمادة والدليل أن سبحانه وتعالى وصف الدنيا على أنها أقل من جناح البعوض. فحاشاه أن يصنف نعمة ما رآه عز وجل هزيلا.
إذن هنا نرجع إلى مفهوم النعمة و نرى النعم الثابثة أصلا ؛ كنعمة العقل. فمن له عقل مثلا فليحدث عنه باستعماله و استحضاره في المواقف الصعبة ويتعامل بحنكة وثبات وجأش فينقذ المواقف. و هنا نقول فلان عاقل أو قائد محنك أو كذا أو كذا؛ و بالتالي فنحن من أقر له ما هو به من نعمة العقل و ليس هو من أتى و قال أنا لدي عقل و حنكة وثبات. تحديثه بنعمة العقل ثبت لنا بالفعل و ليس بالقول و كمثال عن ذلك شخصية سيدنا عمر . لم يقل "أنا الفاروق" و إنما قال عنه صحبه ذلك لما ارتأوه منه من عدل. و سيدنا خالد بن الوليد. لم يقل : " أنا سيف الله المسلول" و إنما شجاعته و بطشه شهد له بها صحبه و سموه كذلك.
نعود من التاريخ ونرجع إلى حاضرنا. لنعتبر نعمة الجسد و نقل أن ربك أعطاك صحة وعافية فهل التحديث بها هو أن تقول الحمد لله أنا بخير! ؟أو ان تفرد عضلاتك في المقهى و نوادي كمال الأجسام! ؟
كلا. تحدث عن صحتك و قوتك البدنية عندما ترى شيخا يهم برفع وزر فترفعه عليه أو ترى طفلا يغوص في يم فتسبح وترجعه لوالديه.
التحديث بنعمة العلم: ليس أن تقول أنا عالم وتعلمت ومعي كذا و كذا من الشهادات ؛ و إنما علمك يبدو عليك في أدبك و سلوكك و أخلاقك و تعاملاتك كل يوم. فلا الجهل يخفى و لا العلم يخفى فلا داعي أن تتحدث عن شيء مرة لك و مرة عليك.
التحديث بالمال: ليس ان تأتي إلى أصحابك وتقول : "كنت في المصرف أودعت نصف مليون الحمد لله". بل تحدث عنه عندما تدفع قهوة جليسك أو غداءه وتنصرف في صمت. تحدث بنعمة المال عندما تزور معوزا و تترك له مساعدة دون أن تتشدق عليه بلغة الأرقام و الحسابات.
تحدث عن نعمة الجمال بوجه صبوح، وعن نعمة الماء بهندام نظيف ، و عن نعمة الإيمان بأن تعامل الناس بتقوى وتواضع ؛و عن نعمة النظر بغضه وعن نعمة السمع بالستر و عن نعمة الكرم بالعطاء و عن نعمة الحياة بأن تحياها بنظام و باحترام.
تحدث عن نعمة الإسلام بأنك من أمة محمد وتقريء السلام. تحدث عن كل شيء بفعل و ليس بقول.

هذا اجتهادي اليوم حدثتكم عنه والله أعلم.

" وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث "
رابط مختصر
26‏/4‏/2020 17:24
أترك تعليقك
1 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء أسرة "الحرية تي في" وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.