بين المدوخ والوزير

الحرية تي في - حفيظ زرزان آخر تحديث : 28‏/4‏/2018 20:37

 

حمزة بنطاهر

received_10213863945666945.jpeg (31 KB)

-  في المغرب الأقصى، أبدع ساكنوه قاموسا مزج بين ألسن العرب والعجم والأمازيغ، فخرجت عبارات وكلمات تصف الحال والأحوال ، تستعمل حينا للطرفة والبسط وأحايين أخرى للتعبير الجدي أو تسفيه الأفعال ، ومن جملة ذلك لفظ " المدوخ " الذي لهج لسان عموم الشعب به ولاكته الأفواه غير مفرقة بين غفير ووزير، واستعرته في توظيفات شتى للدلالة على عدم التركيز وخفوت النباهة والفطنة ، وهو ما لا يحتمل بين ثناياه عيبا أو ذمة ، وتستقبله الأنفس بكثير انشراح ورضى مهما اختلفت نبرات نطقه .

استعمله معالي الوزير في معرض حديثه أثناء جلسة برلمانية، فثارت ثائرة المواطنين، بعدما حشا لفظه تهكما معتبرا دافعي الضرائب دهماء قاصرين مفتقدين لأهلية الإنتفاض " والإنتصاب " في وجه سُراقهم من منتجي السلع الأولية التي يقبل عليها المغاربة، ونصب نفسه مدافعا ومحاميا عن الشركات وكأنه رئيس مجلس إدارة " شركة المغرب " والبقية أجراء تحت رحمته، لا مسؤولا حكوميا موظفا لدى المواطنات والمواطنين، سعادته بسعادتهم ومشاكله بمشاكلهم .. لا يهم فهؤلاء مجرد شعب .

هؤلاء – أي المغاربة – ملوا وكلوا الصراخ والسب والإحتجاج والنزول إلى الشارع والإستنجاد بـ" سيدنا الملك " ،بعدما أعيتهم " دواير الزمان " والفحش المصاحب للأثمان، وغياب الحامي من بطش المضاربين والتجار، وضمور المنافسة وانكماشها وإن وجدت تكون تمويها و " بهللة " على ذقون المستهلكين ممن لا حيلة لهم ولا قوة في بلد يتشدق مسؤولوه بخيراته، وتصدير الأجود للأجود، في أقطار تحترم كيانها، بينما يترك هنا الرديء ويدافع عنه " الأردياء " .

في ظل هذا الوضع المحموم بالخسة من قبل الأوصياء على جوعنا وعطشنا وحركاتنا وسكناتنا، تفتقت عبقرية أهل البلد لا " المُدعين "، مستغيثين بتجارب رائدة في فن الضغط والترهيب، بعاصفة اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي تدعوا لمقاطعة منتوجات لشركات ثلاث محتكرة ( الحليب/المياه المعدنية/المحروقات )، فكان الإقبال على التًرْكِ سمة بارزة قضة مضجع المحتكرين، جاعلة إياهم بعد صيام يرغدون ويزبدون ، فهذا واصفنا بالخيانة والأخر بالدوخة ، أما كبيرهم الذي علمهم الجشع فاستعرض بمعرض الفلاحة أخر وصفات الوقاحة، شاربا بنهم مصطنع حليب " المُقَاطَعَةِ " هو وتابعي ملته من عبدة إله " المال "، الغير المباح عبادته إن كنت من " المداويخ " .

زاد حنق المتتبعين ومعه فئة المُعْرِضِين وتركت المنتوجات الثلاث تعيش البوار، في فعل ينم عن تحضر ووعي  دون كسر أو تخريب، فاقتنع الناس أن مصائرهم بيدهم وأن الترويض لم يخلق للمفترس من الوحيش فقط ، بل صار فنا لتأديب النفس الأمارة بسوء المشتهى، فهي التي خذلتنا لعقود وجعلتنا مرهونين بيد شركات ساستنا كما الأبقار وحلبت جيوبنا واستخرجت من أجورنا معادن تسقي الأرصدة بسويسرا وبنما، ونقبت بعد بحث واجدة أبارا من النفط والغاز في حقول " الصمت " و" الصمت المضاد " ، وإن نطق أحد، شرحوا له بهدوء أعصاب مسببات الحرب السورية / الليبية / المصرية ... فكان لزاما شرح الفوارق بين " المدوخ " والوزير، فالأول صار يحس شرفا كان مستترا وتفاؤلا مختبأً وتآزرا جماعيا، بينما الثاني لا يحس لأنه " وزير " .

 



بين المدوخ والوزير
رابط مختصر
28‏/4‏/2018 20:37
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء أسرة "الحرية تي في" وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.