موسى كمارا
إنّ المنطق السّليم والعقل النّاضج يجعل الشعب الإفريقي يرفض لعبة رجال السّاسة الذين لا يقدرون غيرهم ولا يكنون لهم أدنى احترام سوى تحقيق أحلامهم، أولئك الرجال نجدهم تارة يتلاعبون بعقول الشعب،وطورابأرواحهم ومستقبل بلدانهم ومجتمعاتهم، ومستقبل الأجيال القادمة بما يسمَونهم في لغتهم الملوثة ب "تغيير المجتمعات الأفريقيّة"،و إن شئت سمّه ب«تغيير الأوضاع في البلدان الإفريقية» كما هي الجارية على ألسنتهم في جميع المناسبات واللقاءات السياسية. فمعظم الدول الإفريقية بعد الحكم الإمبريالي والدخول فيما يسمَى بنظام التحرير والاستقلال لم ترتح من ويلات الدول المستعمرة،وتلك هي الحال في كثير من البلدان الإقريقية في الزمن الراهن،التي توشك أن تسجّل تاريخها المفعم بالمجد والكرامة والمحبة والأخوة الدائبة بقلم حبره أحمر قان ممزوج بلعاب رجال السّاسة الذين لم يتركوا صغيرة ولا كبيرة إلاّ وتكلموا عنها،فأصبحت الكلمة المسلمة عندهم التّي لا تقبل تناقضا ولا زيادة هي:"تغيير المجتمع الإفريقية والرَقي بشعوبها إلى أوج التَقدم والتَطور".
إنها كلمة تنزلق على ألسنتهم بدون أدنى دراية بمخاطرها والمساوئ التّي تترتب عليها سلبا،فيحرضون بها الأولاد الأبرياء، بلو حتّى الصّبية غير النّاضجين إلى السّعي وراء حتفهم، وكذا النّساء - أمهات الرؤساء والمعارضين-يُخرجونهن إلى بلائهنّ حيث لا ينتظرهنّ إلاّ المصائب والفتن، بسبب خلقهم الاحتكاكات العويصة بين الشّعب بطبقته الدّنيا وبين الشّرطة بوحشيتهم اللامتناهية، عند ها تحدث كارثة إنسانية كبيرة،فتزهقحينها الأرواح، وتُسفك الدّماء، ويُقتل الأبرياء، ثمّ يُصاب الشّيوخ، وتُنتهك الحرمات، وهم في منازلهم المحمية بحرسهم الخاص وبعض عناصرالجيش الوطني تفاديا أن يصيبهم مكروه أو تُلَم بهم مصيبة، والشّعب تحت الشّمس بحرارتها الشّديدة أو المطر ببرده القارس،يلقون بلاءهم لأتفه كلمة تفوّه بها رؤوس الأفاعي تحت المكيّفات، طمعا منهم فيعرش البلاد ونهب خيرات الشّعب.
لم لا يتفطن الشعب الإفريقي إلى خطورة هذه الكلمة التّافهة؟لمَ لا نستحضر الأفعال البشعة لبعضهم أيّام قيادتهم وتولّيهم بعض المناصب في الحكومة؟ ما المانع أن نفتح أعيننا على ما يدورحولنا من مصائب أولئك الرّجال حين يهاجمون أعراضنا في الإذاعات الأجنبيّة والجرائد؟ هل يُعقل في هذا الزمن الراهن التّقاتل وإشهار السيوف،بل وإطلاق البنادق والرصاصات على بعضنا البعض من أجل القبيلة أو مصلحة شخص لا يريد الخير إلاَ لنفسه وأسرته؟ إذا كان نعم بدون أدنى شك فرُوَنْدا خير مثال للأفارقة، ويكفينا أن نعتبر بما حصل لشعبها من دمار وسفك الدّماء إلى غيرها ممّا لم تخطّه الأيادي، وأين ساحل العاج وما حلّ بها من البلاء والمصيبة؟بربّكم هل يبقى قلب قاس لا يذوب من حزن وقلق وهمَ وغمَ عندما نذكر ما ألمّ بالليبيريين؟ هل سكتت الأيَام عن حادثة الغيينيين في ملعب الثامن والعشرين بكوناكري؟ كلاّ وألف كلاّ لا يطمئن قلب امرئ مسلم وطني لهذه الأمور، فتنة ما بعدها أكبر من أختها،وويل بعده ويلات لايحمد عاقبتها، قارتنا بحاجة إلى مواقف بعيدة عن عواطف، عن القبلية والقومية، عن الموضوعيّة التي تعوز روح التّعصب والأنانيَة، لنعيش في وئام وسلام وأمن محلّى بالمحبة والرّحمة والأخوة بكامل كلمتها ومعناها.
متى نستفيق من سباتنا؟ كم آلت بنا هذه اللعبة إلى غرس شجرة الضغينة والبغضاء والعداوة بين أبناء بلدان كان شعار أجدادهم « الوحدة الوطنيّة» لكن حال بينهم وبين الإباء جرثوم الأنانية،و الأمّر من هدا كله تشتّت آراء ذلكم الشعوب، واعتمادهم على القبليّة والقوميّة التّي أعمت أبصارهم حتى صار العالم منهم كالجاهل حين مناقشة القضايا السياسيّة،، وغدا الصّغير لا يقدّر الكبير ولا يحترمه إذا كان من قبيلة غير قبيلته، واعترض الجميع عن الحق، وصار الكلّ في ركاب لا يصلح فيه الموضوعيّة عند معالجة الأزمات السياسيّة والقبليّة التّي تسود أنحاءالبلاد، لا الوطنيّة ولا الترابيّة تجمعان شملنا.هل يُعقل أن يقول أحدنا إنّ الرّئاسة حقُ قبيلة دون غيرها؟إذا كان الأمر لا يستدعي جوابا دون النّفيفلمَ إراقة الدّماء وقتل الأبرياء؟والرّئاسةلا يُحصل عليها إلاّ بكتاب وأجل معلوم. قال الله علت كلمته: {اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء...} فالأحسن أن نعلم ونعلَم من دونناأنّ السّياسة طريق رقيق كشعرة الرّأس، ولكنّها أحدّ من أنصال السّيوف ؛ إنّها عبارة عن لعبة شطرنج بين فئتين لايمكن للمواطن العادي أن يلوّث نفسه بجرثومها. لكونه بين فئتين إحداهما تربعت على عرش البلاد بنيّة نهب خيراتها، واختلاس الأموال بدعوى تحقيق المشاريع النّافعة للشعب، وتضخيم اقتصاد البلاد، واخراجها من الأزمات بمختلف أنواعها، وفي الحقيقة تجدها كالذّباب الواقع على مثل جبل أحد هل يهتز بوقوعه عليه؟ والأخرى تسعى إلى تحقيق ذلك الهدف نفسه، لكنّها تتأهب لها بطريقة أخرى؛ وذلك بدعوى الشّطب على الصّفحة السّوداء للبلاد ، فإذا بها أشدّ خطورة من الأولى ولا يزيد الطين إلاّ بلة.ولعلّنا (الشعب) نستطيع أن نعتبر بالأحداث والمصائب التي ألمت بإخواننا في عديد من الدول الشقيقة خلال السّنوات المنصرمة بأيّامها الحزينة، وساعتها المرّة، وآلامها التّي لا نغفل عنها على مدى الدّهر.
إنّ قارتنا بشبابها وجيلها الأوفياء المخلصين، وبمجدها الذي شهده التّاريخ منذ عهد أجدادنا، وبكرامتنا التّي نحافظ عليها، تفرض على كل منا المضي بقدم واحد صوب التقدم والتغيير اللذين سيكونان آلتين من آليات الرقي بالشعب الإفريقي إلى أوج النمو التي تسعى إليه السلطات الحاكمة والمعارضة بدون مرور بمحطات الدّمار وكساد للأخلاق، وزيادة السفاهة للجيل الجديد، وغرس شجرة الضغينة والحسد في نفوس الأجيال القادمة. ويجب أن ندرك أنّ قارتنا منذ أعوام مضت وأيّام خلت، أيّام الاستعماروبعدها حتّى يومنا هذا لا تجد فيها سوى تناوب فئة واحدة في المناصب العليا للبلاد- أعني الأشخاصالذين يتعاونون على السّرقة وتقوية استراتيجية الاختلاس وعدم احترام دساتير البلاد إلى غير ذلك ممّا يزيد الطين بلة، ويحول دونالتقدم الذي يحلم به الشعب الإفريقي، كلهم في بوتقة واحدة في الحوكمةالسّيئة، ولا يمكن اتهام قبيلة في ذلك دون غيرها،أو رئيس دون معارض،فللجميع يد طولى في هذا الصّنيع السّيّء.
واضح أنّ حياة الشعب الإفريقي ومستقبله في خطر ، و كلا الطرفين لا يتفكر إلى ما نركبهكلّ يوم من الصعوبات والمشقات، أو ما نتجاوزه من المصائب و ضنك العيش، لأنّهم بطموحاتهم وبرغباتهم لا يُشغلهم سوى المصالح الخاصّة، وبناء البيوت الفاخرة،والتناسيعن العهد الذي يجمعهم بالشّعب، عنده يذهب عنهم الإخلاص في مهمّاتهم المكلّفة بهم.
إنّه من المؤسف أنيصبح شعب لا يفهم مشاكله وإن أدركها لا يشخصّها تشخيصا يتم بعده إيجاد الحلول المناسبة لها،لقد أصبحنا في كلّ غمضة عين وانتباهها نواجه مشكلا تلو الآخر، ونذوق مرارته في كلّ ساعة وثانية، وبقلة تدبيرنا للأمور وعدم اهتمامنا بالمستقبل والقيام بالواجبات التي تثقل كواهلنا ، وإدبار نا عن الحقوق أصبحنا أشباحا بلا أرواح، لعبة لكل من يريد أن يحقق أمله أو يسعى للحصول على منصب بتصفيقاتنا الباطلة، يجب أن نفهم أنّ هذه الأوطان بسيادتها وشعارها هي هويتنا، فالحفاظ عليها واجبنا، كيف نشرع دوما في الترهات ونُحمّل رؤساءنا بكل صغيرة وكبيرة، وبعدم إيجاد الحلول لمشاكلنا، وقد تركنا نحن الوطنية للرّئاسة، والاخلاص للقبلية والقومية، حتّى اعتبرنا دعوة الأئمة أيضا على المنابر ،والدعاة في المناسبات الدينيّة لإصلاح ولاة الأمور تملقا ونفاقا، وتكسبا للأموال والجاه.
علينا أن نعلم علم اليقين أنّ الحاجيات الأوّلية للبشريّة في زمننا الرّاهن لا وجود لها في عديد من مجتمعاتنا،لأنّنا لا نزال نعاني من مشكلة الماء و الكهرباء والطّرقات وإصلاح الثّروة الإنسانيّة التّي غابت عنّا منذ ما يقرب من نصف قرن أو أكثر،وهذا الأخير أشدّ خطورة من كلّ شيء،بربّكم هل باستطاعتنا الحديث عن تغيير الأوضاع في مثل هذه الظّروف؟هل يمكن أن نسهر على النّمو الاقتصاديفي المجتمعات مع فقدان الثّروة الإنسانيّة؟
لا الرّئيس يعاقب أو يتخذ قرارات صائبة وصارمة،ولا المرؤوس يحترم القوانين ويؤدي واجبه على الوجه الأحسن، وكلا الطّرفين يدّعي الإصلاح دون غيره في الحفاظ على سيادة الدّولة والمصالح العامّة، أين ترسو بنا السّفينة؟ إلى مرسى الأمن والسّلام والاستقرار والتّقدم؟أو إلى مرسى الحسرة والنّدم؟
إنّه بإمكاننا أن نمزق الصّفحة السّوداء بسطورها الحمراء من أجل إيجاد الحلول المناسبة لمشاكلنا، سياسيّة كانت أو اجتماعيّة، أو اقتصادية، أو إنسانيّة. وأن نستفيق من غفلتنا ونحاول جاهدين من أجل تغيير الحوكمة السّيئة في مجتمعاتنا والقضاء على جرثوم رجال السّاسة الذي أوشك أن يفرّقنا ويدّمر بلادنا ، حتّى لا يكون الكلام دائما عن تطور البلاد عبارة عن حلقة مفرغة.
مقال مهم جدا يضع الأصبع على الجرح و يعري واقعا حقيقيا يكاد لا يتغير من تسلط ذوي الضمائر الميتة و القلوب الهينة الني لا ترى الشعوب إلا وسيلة لغايتها حتى و إن سفكت الدماء و سقطت الارواح ليضل الحال على ما هو عليه اللهم ان استفاقت الامة من غفلتها و رجعت الى الله تعالى و شمرت على الاذرع و احيت فيها قول الله تعالى ( لايغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) و الله المستعان.
مقال رائع لو يعتبر و يفهم أولو الأبصار نفع الله بك الإسلام و المسلمين