أخفق المغرب في نيل احتضان مونديال كرة القدم للمرة الخامسة في تاريخه، وأخفق منتخبه الكروي في تحقيق الفوز في أولى مبارياته المونديالية منذ أول تأهل له، لكن هذا ليس الإخفاق الوحيد الذي يعتري هذا البلد، وإنما حاز التأثير الأكبر نظرا لكون شغف الرياضة وكرة القدم على الخصوص تحظى باهتمام كبير سيما وأن المنتخب المغربي غاب عن المونديال منذ 20 سنة.
صحيح أن المغرب تعرض لعملية اصطفاف واستمالة لأصوات رؤساء الاتحادات الكروية بالفيفا، غير أن الواقع الذي يفرض ذاته هو أن المغرب لم يقدم ملفا قويا على أرض الواقع، فإنه من العار أن تقدم ملف ترشيحك لمحفل كروي عالمي في مواجهة قوة اقتصادية كبرى لها من المنشآت والتجهيزات والمرافق ما لم تستطع أنت إنجازه منذ ترشحك الأول في سنة 1994 ضد الولايات المتحدة، و1998 ضد فرنسا، و2006 ضد ألمانيا، و2010 ضد جنوب إفريقيا، فقد مرت 24 سنة لم يتقدم فيها المغرب إلا ببضع خطوات بخصوص المنشآت والمرافق اللازمة لاحتضان المونديال، خصوصا وأن الفيفا تعتزم الرفع من عدد الفرق المشاركة من 32 فريقا إلى 48 فريقا في مونديال 2026.
المونديال ليس إخفاقنا الوحيد
إن النظر إلى العديد من المجالات المرتبطة بتنظيم المونديال، والتي أصبحت الفيفا تعتمد عليها لتزكية الملفات المرشحة، نجد أن المغرب مازال متأخرا رغم مرور السنين ورغم الإمكانيات المتاحة له من خلال ثرواته الباطنية وساكنته الشابة النشيطة القادرة على تحمل الأعباء، لم يستطع تحقيق الحد الأدنى مما يتطلبه، فعلى الصعيد الاقتصادي مازالت الدولة تعتمد على اقتصاد الريع والاحتكار والمزج بين السلطة والنفوذ السياسي والاقتصاد، والاعتماد على الضرائب في كل المجالات لتحديد السنة المالية للدولة، أما على المستوى الاجتماعي فهناك ضعف الحد الأدنى للأجور، وضعف القدرة الشرائية التي جعلت المغاربة ينخرطون في حملة لمقاطعة بعض المنتوجات بغية تخفيض أثمنتها، فتلقوا موجة من التخوين والتسفيه من طرف المسؤولين بدون خجل أو إحساس بالمسؤولية تجاه شعب يرزح تحت وطأة الفقر والتهميش وسوء التغذية.
أما على مستوى المرافق الصحية فمازال المغاربة يعانون من غياب أدنى شروط التطبيب في المستشفيات، وغياب الأجهزة الطبية أو وجودها في حالة عطل وقلة الأطر الطبية، فأصبح المغاربة يتحصلون على مواعيد طبية طويلة الأمد في فحوصات لا تحتاج إلا بضع دقائق لا غير.
أما على المستوى الحقوقي، فرغم رفع شعار المغرب الجديد والقطع مع سنوات الجمر والرصاص، وتأسيس مجلس استشاري لحقوق الإنسان ومجلس وطني وتشكيل هيئة للإنصاف والمصالحة وجبر الضرر، غير أن المغرب عاد إلى مسلسل المحاكمات السياسية لكل من قام مطالبا بحقوقه الاجتماعية والسياسية كما هو الشأن بمحاكمات الريف الحالية.
أما عن التعليم فحدث ولا حرج، حين أصبح تقزيم مشكل التعليم في الصراع بين التلميذ والأستاذ، وأصبح تعنيف بعضهم البعض مشهدا اعتياديا، وأصبح الغش حقا دستوريا يطالب به التلميذ مراقبي الامتحانات، بعد أن تم تسقيف الطموح الدراسي في جامعات تفرخ البطالة، ومراكز تكوين تفرخ يدا عاملة بدون مستوى علمي أو ثقافي يمكنها من الانخراط الحقيقي في سوق الشغل.
لقد راهن المغرب على الانتقال الديمقراطي وعلى التغيير في ظل الاستقرار متناسيا أن الاستقرار والركود كالمستنقع الذي يحوي المياه الآسنة التي لا تعطي إلا الضفادع والطفيليات، وأن المياه المتحركة كالبحر الزاخر بالحياة، وأن مواصلة العمل على تهميش الطاقات والاحتكار والاستحواذ على المشاريع وتمكين تسييرها لبضع نخب يتم اختيارها بناء على الولاء والمصالح المشتركة مصيره الفشل والإخفاق، فالرهان يجب أن يكون على الشعب وعلى الاستفادة من طموحه وقدرته على العمل والارتقاء، كما كان الشأن في فجر الاستقلال في مشروع إنشاء طريق الوحدة الرابط بين جنوب المغرب وشماله في محاولة لتبديد الفرقة التي رغب الاستعمار في زرعها بين أبناء الوطن الواحد، ذلك المشروع الذي كان اقتراحا من شخصية سياسية وطنية ورعاية ملكية وسواعد شابة تلقت التكوين وزرعت فيها الرغبة في النهوض بأعباء الوطن وتحمل المسؤولية المشتركة في رقيه وازدهاره، لكن تلك المشاريع أقبرت كما أقبر صاحب فكرتها.
ارتفعت الدولة عن هموم الشعب، وتركته في مستنقعه، يعاني من الفقر والتهميش، ولم تجد مشاريع التنمية البشرية في إزاحة ولو القليل من غبنه، فكيف تتصور أن مشاريع بيع الحلزون ستوفر للشعب قوت يومه؟ ولا ينالها إلا المقربون أو المحظوظون. لتعطينا نتيجة مأساوية بين دولة تريد تنظيم محفل عالمي وفي نفس الأسبوع تجد كما هائلا من الشعب يصعد جبلا بحثا عن كنز مزعوم.
إن كنز هذا البلد في شعبه وثرواته الطبيعية المستباحة من طرف طغمة قليلة تلعب بمقدرات هذا الوطن، وتغامر بمستقبله وصورته في أعين العالم، تصنع القوانين في الليل البهيم لكي تمرر مشاريعها ومصالحها في ضوء النهار، ثم يستكثرون على هذا الشعب أن يقول في وجههم " مقاطعون ".
لقد قاطع جزء عريض من الشعب بعض المنتوجات لكنه قاطع الدولة برمتها، حين عزف عن العمل السياسي الذي خوف منه لسنين، وعن صناديق الاقتراع لفساد والسياسيين، وتخاذل النخب، لكن غيرته على وطنه باقية تحركها بضع مشاهد من الفرح كتأهل منتخب أو إنجاز بطل رياضي أو علمي أو فني، تلك فلتات فرح لم تستثمر فيها الدولة شيئا تبرق في كل مرة بارقة أمل بأن في الشعب ما يعول عليه للنهوض بهذا الوطن.
من أجل مصالحة شاملة
جاء في بلاغ لجنة ترشح المغرب لمونديال 2026 أنه سيتم إنجاز المشاريع التي تم تسطيرها في ملف الترشيح، والبالغة تكلفتها المالية 60 مليار درهم، هذه التكلفة المالية التي ستضخ من جيوب المواطنين من الأولى أن تضخ في جيوبهم أولا، بدل أن ينجح المغرب في تنظيم مونديال 2030 فيجد الشعب الذي يجب أن يستمتع بالمونديال ويتواصل مع مشجعي دول العالم صاعدا لكل جبل يبحث عن الكنز، فبناء المنشآت الرياضية يجب أن يوازيه بناء المواطن المغربي المعتز بوطنه وتقاليده والقادر على التواصل واحترام الآخر وتقبله، والعمل على إعطاء صورة حضارية عن شعب مضياف، والقضاء على مشاهد العنف في الشارع من تحرش وسرقات واضطهاد.
ولن يتأتى هذا إلا بمصالحة شاملة تبتدئ بإنهاء مسلسل المحاكمات السياسية، وفتح حوار شامل مع جميع مكونات الشعب بعيدا عن الإيديولوجيات المتناطحة في ظل بناء دولة مدنية حديثة، يتداول فيها الشعب على السلطة بكل حرية وديمقراطية، شاعرا بالمسؤولية إلى جانب المحاسبة على كل تعسف أو شطط في استعمال السلطة والنفوذ، وفتح الأوراش بمنطق الإشراك في التدبير وتحمل الأعباء بدل سياسة الاحتكار والاستحواذ.
يجب أن يشعر الشعب بأن هذا وطنه، وأنه ليس عالة على أحد أو ضيفا ثقيلا أو متسولا ينتظر فتات موائد السياسيين والنخب الفاسدة، وليكن مونديالنا الحقيقي هو إشعاع اقتصادنا الوطني، وازدهار عيش شعبنا، وتقدم مستواه الثقافي والعلمي، مونديالنا الحقيقي أن نكون قبلة ومنارة لكل الدول الراغبة في الاستفادة من تجاربنا التي صنعتها إراداتنا الحقيقية الواعية بدل أن تكون قبلتنا الهروب من بلد كالسجن يخنقنا ويقتل ملكة الإبداع والإرادة فينا.
المغرب والتطبيع مع الهزيمة
رابط مختصر
لا توجد تعليقات في هذه الصفحة.. كن أنت أول المتفاعلين!