محمد الشمسي
لم أكن أعرف عن الصغير كوشنر الكثير من المعلومات ، كنت فقط أعرف أنه يهودي أرثوذكسي ، و من مواليد يناير 1981 ، وأنه يشتغل محاميا في أمريكا ، وهو في نفس الوقت رجل أعمال في دولة يسمح فيها للمحامي بالمزاوجة بين المحاماة والتجارة ، وفي بلد يمارس فيه المحامون المهنة بكثير من "قلة المهنية" ، وكنت أعرف عنه أنه صهر الرئيس الأمريكي الأخرق دونالد ترامب ، فهو زوج ابنته ايفانكا التي تصغر زوجها بتسعة أشهر .
وقد كنت أعتقد أن كوشنر وبومبيو وبولتون ورابعهم ترامب هم سياسيون أذكياء حذقون ، ولولا أنهم كذلك ما استطاعوا الوصول إلى البيت الأبيض ، وأنهم يستطيعون بمهاراتهم إقناع ما يرفضه الآخر بأنه في صالحه ، كما كنت ضحية هدير "صفقة القرن" وما سبقها من صخب وضجيج إعلاميين ، ثم تطلعت لأن أقتفي أثر هذه الصفقة وما تحمله من الحلول التي عجز كل حكماء وبلهاء العالم في إيجادها ، لحل "التغول الصهيوني على أرض فلسطين السليبة" .
لذلك حرصت على تتبع مؤتمر المنامة بعنوانه "السلام مقابل الازدهار" ، الذي انعقد في ظروف حملت معها أسباب موت هذه الصفقة قبل طرحها ، بالنظر إلى مراتب و مناصب الوفود المشاركة ، وحجم الخجل المرسوم على الوجوه وهي تتمنى لو أن الكاميرات لم توثق حضورها "مؤامرة الإجهاز على الحق الفلسطيني" ...
وقف يومها الصغير كوشنر وسط عرمرم من "الرجال" هم في سن أجداده ، وشرع يخطب فيهم ، تفاجأت بمستوى تواصل "نسيب ترامب" ، وهو يحاول أن يقنع الحضور بأنه سيكشف لهم عن مفتاح قفل الاحتلال الصهيوني لفلسطين ، وبوجه طفولي يضمر كل أصناف الشرور للقضية الفلسطينية ، وبابتسامة صفراء قاتمة وشاحبة ، حاول كوشنر أن يميط اللثام على صفقته ، فتبين أن حله يدور وجودا وعدما حول المال ، وكأنه يقول للفلسطينيين " بشحال تبيعو القضية ديالكم ؟" ، وتحدث عن ملايير الدولارات ( 50 مليار دولار) ، تدفع دول الخليج قرابة ثلثيها ، وتدفع أمريكا قرابة ربعها ، وتدفع أوربا مجتمعة عشرها ، على أن يكون الدفع "كاش" و"على الريق" ، ثم تنطلق مراحل الصفقة التي تتضمن بحسب "راجل إيفانكا ترامب" ، توفير فرص استثمار في قطاع غزة والضفة الغربية ، وتأسيس فلسطين الجديدة بلا سلاح وبلا مستقبل وبلا ماض ولا مضارع ، دولة تكون جاهزة فقط لأفعال الأمر ... ، حيث لا حق للاجئين في العودة لوطنهم ، مع إمكانية "شراء" حق العودة منهم بدولارات دول الخليج ، وعموما دولة بلا مقومات الدولة ، مع منح العدو الصهيوني شرعية على ما يحتله من أراض سواء الأردنية منها أو السورية أو التوسع نحو المصرية ...
شدتني صفقة كوشنر لأنها تقوم على "خلص ونتفاهمو من بعد "، خاصة وأن تنزيل الصفقة قد يتطلب 10 سنوات ، يكون فيها كوشنر قد خرج من البيت الأبيض وقد لفظت صناديق الاقتراع الأمريكية سيده ونسيبه ترامب غير مأسوف على الجميع ، فبدا لي الرجل يقود حملة ابتزاز ، ويتحدث عن صفقة من النصب والاحتيال ، للاستيلاء على أموال دول الخليج ، التي لا يسعها إلا أن تبارك وتبايع الصغير كوشنر وهو يشحذ سيفه لقطع أرزاق شعوب الخليج ...
بالنسبة لصفقة القرن التي يتغزل فيها كوشنر فهي لا تعدو أن تكون تجميعا لبقايا خطط إسرائيلية تقدم بها إسرائيليون سابقون ، ولم يعمل كوشنر إلا على استدعاء انتمائه الديني والعرقي ، ليحقق لهم مآربهم ...
لم يكن كوشنر محاميا بارعا في الدفاع عن صفقة "نسيبو" ترامب ، وهذا يدل على أنه لم يمارس المحاماة على الشاكلة الأمريكية التي نراها في أفلامهم ، بل ظهر كوشنر في ثوب "بياع وشراي" يتحدث فقط على المال والربح والاستثمار والملايير ...ولا قبل له بالكرامة والمصير والمستقبل ، وأكثر من70 سنة من الكفاح والتضحية بالأرواح وبالحريات والقتل والاغتيال وهدم المنازل فوق رؤس الأسر ، مصادرة الممتلكات ، والاعتقال الإداري للآلاف ...
واضح أن الصغير كوشنر قرأ عن القضية الفلسطينية من خلال كتب وصحف آل صهيون ، لأن عمره المدني لا يسمح له بعيش أحلك تفاصليها ، فعندما كان الصراع على أشده لم يكن الصغير كوشنر قد خرج للوجود حتى ، فهو لم يكن حتى في مرحلة وضع الحفاظات ، لذلك خانته معلوماته عن واقع الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين ، والأكيد أنه كان يتحدث أمام شيوخ ـ في السن طبعا ـ وهم يسخرون منه في دواخلهم دون ان يقووا على الجهر بذلك في العلن ، فقد تكون نهايتهم ، فهو "نسيب ترامب" ، كبيرهم الذي يسبحون بحمده ، ويخافونه أكثر من خوفهم من الله تعالى ...
لذلك أنهى كوشنر حديثه الضعيف عن صفقة القرن ، وهو في وضع يكاد "قرنان" يبرزان من أعلى جمجمته ، تعبيرا عن جهل الرجل بالتاريخ والجغرافية ، وتعويله على رهط من المسؤولين العرب الذين تسللوا للقائه خلسة من شعوبهم ...
حينها أدركت كم هو غبي هذا الصغير كوشنر ، وكم هم أغبياء الصهاينة الذين يعولون عليه للإجهاز على حقوق الفلسطينيين ، وكم هم أنذال هؤلاء العرب الذين يسارعون إلى التهليل لصفقة بدت بلا قرن ، وبدا صاحبها ب"قرنين" أو بأذنين طويلتين ، وبدوا هم مثل قطيع عجول بلا قرون ، تصلح للتسمين ...
تلك هي صفقة كوشنر ، تقوم على "المال مقابل الحق " ، لكن هيهات لهم ذلك ، فحسبنا الرد على "عقبان جيفة المنامة " ، بالقول " إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها ..." .
لا توجد تعليقات في هذه الصفحة.. كن أنت أول المتفاعلين!