وداعا يا مرسي الهرم ... يكفيك فخرا أن نعتك الشعوب وأحرار العالم ...

الحرية تي في - الحرية تي في آخر تحديث : 19‏/6‏/2019 10:32

20190619_110549.png (296 KB)

محمد الشمسي

تقف اللغة عاجزة عن رثائك ووداعك ...يا أول حاكم حكم مصر بقرار من صناديق اقتراع ...لم تكن فرعونا ولا خديويا ، ولم تزحف على القصر الرئاسي فوق دبابة ، ولم تُلبس الانقلابات ثوب الثورات ...


رمت بك رياح الربيع العربي على شط النيل ، وحملتك ثورة 25 يناير 2011 التي لم ير مثلها في البلاد ، ونصبك المصريون "الجدعان منهم والغلابا" ، لتكون كبيرهم الذي يسوسهم بعقد مكتوب بينكما ، وليس بالأهواء ...

لم تكن راغبا في السلطة ، بل كانت السلطة مشتاقة إليك ، إلى من يحميها ويركِبها فوق حصان الأمان ، ويهرب بها عن نبال وعيون الطغاة والحساد والأشرار ، أعداء مصر القوية ، وأعداء الشعوب المتحررة ...

يكفيك فخرا أنك أوتيت كتابك بيمينك في ولايتك ، ويشهد التاريخ لك أنك لم تقتل مواطنا ، ولم تعذب معارضا ، ولم تصادر صحيفة ، ولم تغلق قناة ، ولم تبع من مصر رملا ولا بحرا ولا جزيرة ، ولم تصافح عدوا ، ولم تتآمر على الوطن أو تحقد عليه ، هم فعلوا كل ذلك مقابل "حفنة رز" قذرة نجسة ، مختلسة من أموال شعوب تعُدُّ أنظمتها أنفاسها ، وتفزع من غضبها وحسابها ...


لم يتركوا لك الفرصة حتى لتخطئ أو تصيب ، لأنهم غدروا بك ، وغدروا بتاريخ ومستقبل أم الدنيا ، وبشعبها وحضارته الضاربة في الوجود لأكثر من 7000 سنة ...


كنت رئيسا غلة خالصة لثورة كانون الثاني ، ولأنه بالنار تُختبر المعادن ، بفبحجم الحريات تُختبر الثورات ، جهرت للمصريين بكلمة حق "كيف أضيق على حرية من خلقهم الله أحرارا" ، فلقفها شر ما خلق ، وراحوا في غيهم يعمهون ، يؤلبون الناس ويهيجونهم بالإفك والجهالة ، يرمونك بما ليس فيك ، يقرعون طبول الويل والترهيب ، ويلصقون كل عقبة من عقبا "هبة النيل" بك ...


خلا لهم الجو سنتها ، فلم يسبق لمصر أن تذوقت طعم الحرية إلا في أشهر حكمك المعدودة ، وحتى الغانيات السافلات ومعهن فنانو الأنابيب باتوا يفهمون في السياسة ، ويتخذون منك مادة لنميمتهم .


يشهد التاريخ أنك مارست السياسة بنبل وشرف ووطنية ، لكنك وجدت كثيرا من المياه نفذت إلى سفينة الدولة في سنوات كانت فيها الدولة عبارة عن "عِزْبة" أو "فيرما" بلغتنا ، وتوشك أن تجذبها إلى قاع الغرق ، وحتى النيل العظيم وجدتهم كادوا يجففونه بقرار سد النهضة ، فكان بناء السد جزء من الخطة ، خطة حصار مصر 25 يناير ، لحملها على العودة إلى حالة مصر مبارك ومن سبقوه من الانقلابيين...


وحتى عندما شرعت في هندسة الوضع للبحث عن مخرج لمصر العظيمة، كانت أيادي الشر تبذر الأشواك والأحقاد ، وتشكك في الابتسامة مثلما تشكك في الدمعة ، ويتلحف الذئب صوف النعاج ليدنو منك ...


ولأن الكفيل هناك مرتعش خائف مرعوب من زلزال الشعوب التي يذكر التاريخ أنها تشنق المستبدين من الحكام بأمعائهم حالما تهيج ، فقد شرع الكفيل في صنع فلك الانقلاب تحت أعينه ، ثم أوحى لمن لا تسري فيهم دماء مصر الغالية والعزيزة أن اهجموا على ثورتهم ، وعن زعيمهم المدني أن خذوه فغلوه و ارتموا عليه فاعزلوه واخطفوه واحتجزوه وجردوه من سلطانه ، ثم في معتقلات العار صلوه ، اتركوه هناك إلى أن تزهق روحه ...


و راح الخونة المتربصون بالحريات يتوددون للصهيوني ليدعمهم في إغماض عيون العالم الذي بات يقيس الأشياء بميزان الربح والخسارة ، وبميزان من يدفع المزيد من "الرز" ، لذلك جاءت التوصية من "الماما أمريكا" و"الخالة إسرائيل" ، إن دعوا الانقلاب يجفف منابع الثورة ، ويعيد سوْق الشعب المصري الأبي إلى كهوف التخلف والاستبداد والقهر ، وينزل الجيش ليربي الشعب على السمع والطاعة ، ويعيد تعليب المصريين في علب الإذلال والبغي ، فوقعت المذابح والمحارق في المساجد والميادين ، وارتفعت الكثافة السكانية داخل المعتقلات، وتغول العسكر وبات سلطة دستورية فوق السلط ، ولا من تكلم أو استنكر إلا أحرار العالم ...


هنيئا لك ميتتك التي نعمت بها ، وهذه الشعوب ترج الأرض رجا للاعتراض على سرقة مصيرها ، وتنْعيك نعي الجسورين المغوارين ، حتى أن المرء يحقر حياته أمام موتك، وبئس حياة أعداء الشعوب ، فهم يصرفونها في أفعال القتل والتنكيل والتكميم والقمع واختلاس مستقبل الأجيال ، وهنيئا لك صيتك ورهبتك ، فحتى وأنت جثة هامدة راجعة إلى ربها أفزعتهم ، فحرموك من أبسط حقوق الإنسان الميت ، وهو الحق في أن يموت في سلام ويدفن في سلام ، ويصلى عليه بخشوع ...


ستبقى ثورة 25 يناير المصرية أيقونة الثورات العربية، وسيبقى نسيم الربيع العربي عطرا عبقا، وسيعلم الذين انقلبوا أي منقلب ينقلبون، وسيبقى محمد مرسي الرئيس المصري الشرعي المُنقلب عليه أحد عناوين تلك الثورات، وواحدا من أبنائها البررة و الأخيار، وسيذكرك التاريخ قديسا ، ما قتلوك وما صلبوك لكن شبهت لهم ، فكل شريف أصيل هو في النهاية طيف محمد مرسي المغدور به .


وتحيا الشعوب الشامخة التي تحب الأوطان فتسقيها بالدماء ، والخزي والعار لقوى الشر ....

وداعا يا مرسي الهرم ... يكفيك فخرا أن نعتك الشعوب وأحرار العالم ...
رابط مختصر
19‏/6‏/2019 10:32
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء أسرة "الحرية تي في" وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.