"اللّاحل" ومأزق السلطوية

الحرية تي في - الحرية تي في آخر تحديث : 14‏/1‏/2020 10:10

FB_IMG_1543254189137.jpg (244 KB)

يُقدّم سياسيون وباحثون وجهة نظر قائلة بأن نظام الحكم في المغرب ليس نظاما استبداديا ولا ديمقراطيا، وأن البلد معدود في الأنظمة السلطوية التي تقع بين المنزلتين، وهو على كل حال، أفضل من تلك التي تقبع فيها نظيراتها الديكتاتورية، بل إن "السلطوية"، قد تكون محطة في الطريق نحو المرحلة الانتقالية والنظام الديمقراطي. وهو قول يعترضه تحد دائم في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية، سرعان ما يرخي بظلاله على ميدان السياسة الرئيس.
ذلك أن السلطوية ترتبط بوجودها سمة رئيسة وهي "استمرار الأزمة"، ودوام المشكلات السياسية، وانتفاء القدرة على تقديم الأجوبة الفعالة على أسئلة تدبير الاجتماع السياسي وإدارة الدولة وتوابعها. ففضاؤها الجمعي لا يخلو أبدا من عنوان "اللاحل"، الذي يشكل مأزقا دائما للسلطوية، لأنه نتيجة طردية لرغبتها المتعذرة في الجمع بين إرادة مسؤوليها في التسلط والاستبداد بالسلطة واحتكار الثروة، وبين تأثيث المشهد ببعض التدابير والشكليات والقوانين والمؤسسات "الديمقراطية".
تقوم فلسفة السلطوية على تصدير تدابير خادعة من بنية النظام الصلبة، إلى باقي فضاءات المشهد العام وفاعليه وإلى المجتمع، هذه التدابير قد تعطي انطباعا ظرفيا بقرب الانفتاح السياسي، والتقدم الاقتصادي، والانفراج الاجتماعي والحقوقي. ولكن لأنها خادعة، ولأن الشق العميق في السلطوية يهدف إلى التسلط والاستبداد والاحتكار، ومع توالي الزمن الكشّاف، يتجلى أن المَركزَة السياسية متواصلة، وأن الصلاحيات و"السلطات" التي يقرها الدستور تسحبها القوانين التنظيمية والتفصيلية ناهيك عن الأعراف التقليدانية والممارسة المتجذرة، وأن الحقوق والحريات الفضفاضة التي مُنحت تَحدُّها حدود حمراء وتقصُّها وتركنها في ضيق الزاوية، وأن الاقتصاد الوطني الموعود غطاء للريع وللشركات المقربة ولاحتكار الثروات السمينة وتسجيلها في الحسابات الخاصة هنا وهناك وراء البحار، وأن ما أعطي بهذه اليد الاجتماعية سرعان ما أخذته الاقتطاعات والضرائب والاستغناء عن التوظيف وباقي الخدمات الأساسية، وأن الوضع في نهاية المطاف ما يزال يراوح مكانه ولم يبرحه البتة.
حالة "اللاحل" هذه، التي يراد لها أن تكون مخدرا، هي مأزق السلطوية الحقيقي الذي يتسبب في إهدار الزمن الثمين، ومنهج الالتفاف السياسي هذا، وتغيير الجزء الهامشي خدمة لديمومة البنية المركزية، وما يتبعه من سياسة إطفاء الحرائق، لا يفضي في الحقيقية إلا إلى تراكم الأسباب، وتواتر الدواعي، وتوالي المبررات، التي تقود مجددا إلى الاحتجاجات المتنوعة على الاختلالات المتعددة.
في هذا السياق، يمكننا قراءة محدودية تأثير سلسلة الإجراءات الدستورية والسياسية والاجتماعية، التي أنهت عنفوان حركة 20 فبراير، وأوقفت مدّها، ذلك أن دستور 2011 وما أعقبه من انتخابات مبكرة أفضت إلى حكومة وبرلمان جديدين، وما صاحبها من تدابير اجتماعية وحقوقية، سرعان ما خبا فعلها وخاب الرهان عليها؛ فالوعود الكبيرة التي رمت بها السلطة في فضاء المجتمع؛ حول الملكية الثانية، والنظام البرلماني، والحقوق الواسعة، والوضع الاجتماعي المنفرج، لم تلبث أن تكشّفت على حقيقة "اللاحل"، لتكون وقودا جديدا للحراك الاجتماعي المتجدد.

"اللّاحل" ومأزق السلطوية
رابط مختصر
14‏/1‏/2020 10:10
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء أسرة "الحرية تي في" وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.