"الصرصار" لا يلد، يكتفي بأن يبيض، ويترك للبيوض أن تتدبر أمرها دون لمسة حنان قد تفسدها، لتحولها من كائنات مزعجة بالكامل إلى كائنات خادمة و أليفة كالقطط المنزلية التي خانت الغابة مقابل المداعبات والأكل البائت وعظام الدجاج عوض الدجاجة الكاملة.......
من غير الممكن أبدا أن يسمح لك الصرصار الصغير جدا أو الكبير أن تمسد فروته بيديك، هذا بالنسبة له بمثابة الإهانة الكبيرة، أصلا فهو لا يملك فروة قابلة للتمسيد، ولا شكلا موحيا بالحب و الحنان..
لونه بني وبشرته تشبه لباس المرتزقة، مموه بشكل جيد، أرجله مشعرة بالطريقة المثالية للبشاعة، يحرك لواقطه التجسسية الحربية بطرق مستفزة وغريبة أفقية ودائرية وفي تقاطعات مقلقة للذوق السليم...
بالنسبة لل"صرصار" أي حركة تصدر عن العالم الخارجي تعد خطرا مباشرا بالنسبة إليه، مشيته هي النقيض الكلي للطمأنينة، إنها مشية الجنود بين خندق وخندق ساعة القصف الكثيف، حتى حين يكون وحيدا بمساحة لا نهائية جامدة يتمشى بخوف وشك شديد، متنقلا بسرعة يمينا ويسارا ومتوقفا فجأة بحدة و تربص، للاستطلاع وتحليل المعلومات المخابراتية المعادية، ثم دون أن يكون ذلك متوقعا يحول قشرته الزلقة إلى أجنحة مروحية عسكرية غامضة ويطير...
إنه كائن لا يعرف ماذا تعني كلمة حنان، ولا كلمة حب، ولا كلمة صداقة..
لا فرق بين "صرصار" عجوز و"صرصار" خرج للتو من حزمة البيض الشبيهة بالقنابل العنقودية، لا فرق بينهما في تمثل الحكمة والحيطة والحذر وتجارب السنين، ما يفعله "صرصار" عجوز هو نفسه ما يفعله "صرصار" بحجم نملة، كأن الجد هو الحفيد، والحفيد هو الجد..
حتى حب "الصراصير" يكون شبيها بالمؤامرة، بتبادل حقائب المخدرات، في الأماكن الخالية البعيدة عن أنظار القانون، حيث لا ينظر "الصرصار" إلى "الصرصارة"، ولا تنظر إليه، يمارسان الجنس بطريقة تشبه تدافع الدبابات الفضائية الصغيرة الخيالية،..إنه حب من كواكب أخرى، الكواكب المحروقة بالغازات السامة والنيازك المشعة وحروب "الكوسموس" بتوتر و دون عاطفة يضاجع "الصرصار" القبيح "صرصارته" القبيحة، بحذر وسرعة وفتك، بحيث لا يمكن اعتبارها أبدا زوجته، ولا خليلته، ولا حتى مومسا، بل عضوة منخرطة في عصابة القلق الرهيبة..
لن تحتاج الصراصير أبدا إلى الحنان، أو إلى الجمال، أو إلى بيت محترم بعيد عن الخطر و الحطام والخرائب ودفء الأجهزة و الأسلاك الكهربائية ذات التوتر العالي وغبار الركام...،
إنها كائنات غير حنونة بالمرة، وغير أليفة، ولا يمكن أبدا تربيتها، ولا استخدامها في السيرك البشري العملاق من أجل التهريج..
الدور الوحيد الذي تتقنه هو الحرب والاستعداد بالأسلحة البيولوجية المضادة للمبيدات التي يستعملها العدو لقتلها، فهذه ستكون نهاية مأساوية لها...
أما في غياب الأسلحة الكيماوية "مبيدات الحشرات"، ستصير الصراصير التي يحتقرها الجميع، هي ملكة العالم، ورغم أنها ستظل وحدها على هذا الكوكب بالتاج على رأسها، إلا أنها ستظل حذرة إلى الأبد...
"حياة الصراصير" :من شبه أباه فما ظلم
رابط مختصر
لا توجد تعليقات في هذه الصفحة.. كن أنت أول المتفاعلين!