محمد الشمسي
أنهى قضاة جطو تقريرهم السنوي ، كان تقريرا أسودا كسابقيه من التقارير ، ولم يكن صادما لأن الأصل في الإدارة العمومية المغربية أنها معرضة للنهب والاختلاس والتبذير الى أن يثبت العكس ، وُضع تقرير هذه السنة فوق تقرير السنة المنصرمة ، لا ربط مسؤولية بالمحاسبة ولا ربط محاسبة بالمسؤولية ، بل هناك من ربط الاثنين معا بحبل المجهول، ربما هنئ كل ذي مغنمة بما غنم ، و"الصكع بقا بلاش" ، وما لم يتم ترتيب الأثر القانوني على مضمون تقرير قضاة جطو فإن نفقات إعداد ذلك التقرير وأجور القضاة الذين أعدوه ، ستنضاف إلى المال المنهوب والمسلوب من شعب عرف أين ذهب جزء كبير من خيراته بعد تلك التقارير .
هناك وزراء يعتقدون أنهم "سلتو" بجرائمهم التي وقف التقرير عندها ،لمجرد أنهم نزلوا من قطار الحكومة ، وهناك وزراء تحصنوا في قلاع وزاراتهم الجديدة القديمة من قبضة القانون وهذا تقرير جطو يعري سوءاتهم ويكتبهم في سجلات التاريخ بأنهم مجرد "لصوص وقطاع طرق" ، وهناك مسئولون ورؤساء هيئات عمومية لا يزال التقرير يشكل لهم كابوسا ، فما إن يغمضون الجفون حتى يظهر لهم "بوغطاط" يحمل "الكلبشات" ويسوقهم إلى الجناح 4 في سجن عكاشة .
لكن ما الجدوى من ذلك التقرير ما لم تتبعه إحالة على القضاء؟، هناك من يقول أن إحالة التقرير على القضاء ليس من مهام المجلس الأعلى للحسابات ، وهناك من يقول أن تقارير مجلس جطو إنما هي لاعتبارات سياسية وليست لاعتبارات قضائية وتحقيقية بحثة ، وهناك من يقول أن تلك التقارير لها غايات أخرى لا يعلمها إلا أهل السياسة وباقي أفراد الشعب قالوا آمنا ، لكن من حيث القانون الذي بات مستضعفا في هذا الوطن ، أقول إن دور النيابة العامة بعد اطلاعها على هذا التقرير أن تصدر تعليماتها إلى الضابطة القضائية المختصة بفتح تحقيق في جميع الشبهات التي وردت في تقرير جطو ، وإلا اعتبرت في عداد المخالفين للقانون بل وأشد ، فتحريك الدعوى العمومية من مهام الوكيل العام للملك ، وهو ينتمي لسلطة مستقلة ولا تعنيه دهاليز السياسة وحسابات السياسيين في شيء ، كما إنها مسؤولية الأحزاب والنقابات والجمعيات التي تعنى بالشأن العام ، وبحماية المالية العمومية على الخصوص، لترفع شكايات إلى النيابة العامة ضد كل من ثبت تورطه في جرائم التبديد والاختلاس .
أخشى ما أخشاه أن نقوم من حيث لا ندري بالتطبيع مع اختلاس المال العام ، ونحن نفعل ذلك منذ مدة ، فالأحكام القضائية التي تصدر في ملفات نهب المال العام تقضي في مجملها بعقوبات موقوفة التنفيذ رغم انها تشكل جنايات ، ويمثل المتهمون أمام هيئات المحاكم في حالة سراح ، وحتى في منطوق الحكم لا أثر لأي مصادرة لممتلكات من ثبت تورطه ، ولا منعه من تقلد وظيفة عامة ، بل إن تلك الأحكام تفتح للمتهمين صفحة بيضاء ناصعة ، وهم بتلك الأحكام يضفون الشرعية على ما اختلسوه ، ويخرجون من المحاكمات كما ولدتهم أمهاتهم ، ليس "عريانين " بل بلا ذنوب وبلا تبعات ، وأخشى ما أخشاه أن يصبح نهب المال العام في قائمة "أبغض الحلال"، ونحن نكتفي بوصف اللص باللص لكن دون اعتقاله ومحاكمته محاكمة تليق ببشاعة وفظاعة الفعل الشنيع الذي اقترفه المتهم ، فليس أقبح من سرقة أحلام أمة .
وإلى أن يجد تقرير جطو لنفسه رجع الصدى بين المؤسسات المختصة ، وإلى أن يرينا التاريخ في سراق ثروة الشعب يوما عبوسا قمطريرا ، نهمس في أذن جطو بالقول "على من تقرا زابروك عفوا تقريرك آ جطو " ، فإن كان اللصوص نعاجا فالقوانين ذئابا ، و"النعجة ما ينفعها مع الذيب تبعبيع " ، ولا هروبا داخل حقيبة وزارية .
لا توجد تعليقات في هذه الصفحة.. كن أنت أول المتفاعلين!