د. محمد باسك
المناظرة بين المرشحين للدور الثاني في الانتخابات الرئاسية التونسية؛ قيس سعيد ونبيل القروي، كانت مهمة من حيث الشكل؛ إذ أننا لأول مرة نشهد حدثا مثل هذا في العالم العربي. فهنيئا لتونس شعبا ومؤسسات على هذا السبق. لكنها مناظرة حضر فيها الشكل وغاب المضمون، حضر فيها التشخيص وغاب الاقتراح، حضر فيها شخص المرشح وغاب برنامجه، حضر فيها الكلام العام وغاب التدقيق بأرقام ومعطيات دقيقة...اقتراحات قليلة ومتشابهة، وكل مرشح عند الحاجة يستنجد بدغدغة مشاعر جمهوره الانتخابي المفترض. قيس سعيد أكثر من الحديث عن الشباب وتمكين الشباب، ونبيل القروي أكثر من الحديث عن الفقراء، ومبادرة محاربة الفقر. الأول حاول أن يبقى وفيا لثقافته الدستورية، والثاني حاول أن يكسب نقاطا ببساطته وعفويته و"براغميته". الثاني تحدث عن أشياء غير ممكنة دستوريا؛ كإحداث محكمة تابعة للمجلس الأعلى للأمن...والأول لم يعترف بقاعدة من قواعد التنافس الانتخابي؛ قاعدة طرح البرنامج وتقديم الوعود الانتخابية... وظل يردد البرنامج بيد الشباب....يمكن القول من خلال المناظرة أن الاختيار بين المرشحين لن يكون اختيارا عقلانيا على أساس البرامج، ولكن على أساس الصورة الذهنية التي يحملها الناخب عن كل شخص من المرشحين. سنكون مرة أخرى أمام الناخب "الأسير"، الذي تأسره طيبوبة المرشح أو تأسره الشعارات العامة أو تأسره المعونة الاجتماعية... نسبة الناخبين الذين سيصوتون على أساس البرنامج أو الأفكار ستكون قليلة؛ لأن ما عرض من أفكار قليل، وتنقصه الدقة والوضوح، وغير مغر. سيحضر الحساب العقلاني ربما بين من يختارون الذهاب إلى التصويت وبين من لايصوتون تعبيرا عن عدم الرضى على مستوى المرشحين. ومع ذلك أتوقع إقبالا مهما على التصويت يوم الأحد المقبل لاعتبارين؛ أولهما: أنه دائما في الانتخابات الرئاسية التي تجري في دورين، يكون التصويت في الدور الثاني أكثر من الأول؛ لأن بعض الناخبين الذين لم يصوتو في الدور الأول بسبب تعدد المرشحين، يصوتون في الدور الثاني للاختيار الحاسم بين مرشحين اثنين. الاعتبار الثاني: المرشحان، قيس سعيد ونبيل القروي، يعبران في العمق عن تنافس قطبين أوكتلتين، ظلتا في تدافع منذ ٢٠١١ إلى الٱن، لذلك فكل كتلة استنهضت ناخبيها، ممن لم يشاركو في الدور الأول، لتحقيق فوز المرشح المفضل...
ما تم تسجيله من ملاحظات عن المناظرة قد يكون بسبب حداثة العهد بهذا الأسلوب الديمقراطي؛ أسلوب التناظر التنافسي في جو من الحرية والنزاهة، لكن ليس ذلك منتهى الأمر؛ فربما مستوى المناظرة يحيل إلى بعض إشكالات المشهد السياسي التونسي. ومع ذلك هنيئا لتونس على هذا السبق. إنها تونس الخضراء التي تشق بمشقة طريقا للانتقال وسط صخور الاستبداد المتراكمة.
لا توجد تعليقات في هذه الصفحة.. كن أنت أول المتفاعلين!