سلوى دلح
هذا المقال هو تعبير من القلب من امرأة تعليم تقاسم تجربتها التي تفوق 12 سنة في مراكز التكوين المهنية بمعدل تدريس مباشر في الفصل لأكثر من 1000 ساعة لفائدة ما يفوق عن 700 متعلم سنويا, بالإضافة لساعات الإعداد و المراقبة في الإمتحانات الجهوية والوطنية و الساعات الطويلة للتصحيح و إعادة التصحيح. تجربة من خلالها خلصت أن هناك نقاط مشتركة بيني وبين زملائي و اصدقائي المعلمين في مختلف المستويات والتخصصات و المؤسسات الخصوصية و العمومية.و في هذا المقال افضل استعمال كلمة معلم بدل مدرس ومكون وأستاذ وكلمة المتعلم بدل طالب و تلميذ و متدرب و ذلك مهما كان مستوى التعليم.
فكرة هذا المقال ناتجة عن الضغوطات التي يعيشها المعلم في موسم الرعب (فترة الامتحانات) و أيضا استنكارا لحالات العنف المتكررة و خاصة في هذه الفترة العصيبة.
المألوف هو التحدث و إبراز حقوق المتعلمين و عن إهدار حقوقهم من طرف معلمين لم يقوموا بواجباتهم وعن ضغوطات الامتحانات للمتعلمين و الإباء و غيرها, و المسكوت عنه غالبا هو الحيف الكبير و الضغوطات النفسية التي يعيشها المعلمين (أو نسبة كبيرة منهم) منذ بدء السنة الدراسية إلى فترة الامتحانات و ما بعدها, و في ما يلي سأختصرالاسباب في النقاط التالية:
تغيير المحيط و القيم السائدة في المجتمع و بالتالي دور المعلم و مكانته في المجتمع و مواجهته لتحديات جديدة في غياب وسائل داعمة لهذه التحولات الإجتماعية و الثقافية و غيرها.
التشتت الذهني و الفكري وفرط الحركة و قضاء وقت طويل على الانترنيت في مواقع التواصل الاجتماعي و الأفلام و لوقت متأخر ليلا لفئة كبيرة من المتعلمين يؤثر سلبا على المتعلم و المعلم و الصيرورة التعليمية بأكملها. ومن جهة أخرى, توفر المعلومة و سهولة الحصول عليها اخرج المعلم من دوره التقليدي كمصدر رئيسي للمعلومة ليواجه تحديات أجيال لها متطلباتها الخاصة.
بيئة العمل الغير السليمة فغالبا الأقسام الدراسية كئيبة و تفتقر للوسائل الأساسية للاشتغال كالإضاءة الكافية على سبيل المثال
المناهج المحشوة و غالبا ما يقع ضررها على المعلم قبل المتعلم
المنظومة التعليمية هي إطار يجمع الإدارة, المنهج, المعلم و المتعلم. و اللبس الحاصل هو أن فشل المتعلم ينسب أولا للمعلم غير أن الواقع أنها مسؤولية مشتركة بين جميع الأطراف.
الدخل المادي الشبه جامد يدفع بالعديد من المعلمين للبحث عن مداخيل إضافية لتغطية تكاليف المعيشة وذلك يؤثر على قدراتهم للقيام بواجباتهم داخل الفصل.
المعلم هو الحلقة الأضعف في السلم الإداري والذي يتوجب عليه تنفيذ الإصلاح ألترقيعي للبرامج التربوية, بالاضافة إلى رفع ساعات العمل في بعض المؤسسات في إطار سياسة التقشف و اضطرار المعلم للإنفاق من ماله الخاص لاقتناء أدوات الاشتغال و الطباعة و غيرها.
الضغوطات النفسية الناتجة عن طبيعة مهنة التعليم والمتعارف عليها عالميا في الظروف العادية للاشتغال و التي تتفاقم عند غياب الشروط المواتية للتعليم و التعلم و هو غالب الحال في العديد من البلدان العربية. و المعروف أن الضغوطات النفسية المتكررة تولد أمراض بدنية مزمنة كالإرهاق المزمن و اضطرابات النوم و القلق وأعراض الاكتئاب و أحيانا الإدمان و خاصة إدمان الأدوية و غيرها.
الإشكالية الأشد خطورة هو العنف الذي قد يتعرض له المعلم, فالعنف المباشر و المتكرر من طرف المتعلمين هو ظاهرة في ازدياد خلال السنوات الأخيرة. العنف هنا قد يكون لفضي أو جسدي و في غالب الأحيان ما يكون عنف مادي كتخريب سيارة المعلم أو سرقة بعض أغراضه الشخصية المتواجدة بالمؤسسة. هذه الوضعية تنتشر أكثر في مؤسسات القطاع الخاص حيث المعلم في غالب الأحيان نجده مجرد من هيبته في القسم و يعامل على انه مستأجر من طرف إدارة المؤسسة وضيفته الأولى إرضاء العملاء و أولياء أمورهم الذين هم مصدر رزق المؤسسة.
المحزن في الأمر هو ضعف وسائل حماية المعلم, هذا إن لم تتحامل عليه إدارة المؤسسة و يتعرض للضغط حتى يتنازل عن حقه في حالة حدوث عنف ضده. ضعف الحماية لها أثار جد وخيمة على كافة المستويات. فالمعلم قد يلجأ من أجل حماية نفسه من جهة و من جهة أخرى انتقاما لقلة التقدير و غيرها قد يكتفي بإعطاء القليل الذي يسكت الانتقادات و ملاحظات الإدارة و نهج أسلوب اللامبالاة و السماح بالغش في الامتحانات و ربما يعتمد أسلوب السخرية أو العنف أللفضي أو تقديم الشهادات الطبية المتكررة أو غيرها من الممارسات الغير اللائقة بالرسالة النبيلة للمعلم. هذه السلوكيات التي قد ينهجها بعض المعلمين تؤثر بالأساس عليه كفرد تشعره بقلة ألاحترام و تقدير الذات وضغوطات نفسية جسيمة كما أن ردود الفعل هذه لها تبعات سلبية تعرقل بشكل مباشر الصيرورة التعليمية.
بما أن نجاح أي نضام تعليمي يعتمد بشكل أساسي على قدرات المعلمين, فيجب إحداث إصلاحات جدية للنهوض بهذه المهنة السامية و من أهمها:
اولا الاعتراف المعلم منه هو شخصيا ومن المنظومة التعليمية و المجتمع ككل بالتحديات الجسيمة التي يواجهها المعلم
دعم الاساتذة بتعزيز المؤسسات بمرشديين اجتماعيين و نفسانيين لفائدة المتعلمين ؛
عقد شراكات مع أطباء نفسانيين والتكفل بجميع المصاريف الناتجة عن التتبع لفائدة المعلمين؛
ترسانة تنظيمية و قانونية وآليات تفعيلها لحماية المعلم و التكفل ودعم المعلمين ضحايا العنف؛
العمل على إعادة هيبة المعلم كشخص له مكانته و احترامه في المجتمع؛
إعادة تأهيل المعلمين عبر تكوينات في إدارة الخلافات و تدبير الضغوطات وغيرها من المهارات الحياتية و ذلك من طرف ذوي الاختصاص؛
تقليل من ساعات العمل و توفير البيئة الداعمة و المحفزة للتعلم؛
أعادة النظر في نظريات التعليم والمناهج وطريقة التقييم
تجويد ظروف العمل داخل المؤسسات التعليمية؛
التحفيز المادي؛
و أخيرا أشير إلى أن مهنة التعليم هي ممتعة ما إن توفرت الظروف و متعبة ومرهقة و محبطة للآمال المعلم في غياب الشروط الأساسية للتعليم, و بالرغم من كل العقبات و في انتظار تحسين أحوال التعليم في بلداننا العزيزة , يبقى أن المعلم هو إمراة ورجل قبلوا بتحمل مسؤولية أجيال و عليهم بذل الجهد لأداء الأمانة و على الشباب الذين يريدون الالتحاق بمهنة التعليم التأكد من حبهم للعطاء و المشاركة و التلقين و قدرتهم على الصبر و التفاني في أداء الرسالة و أن لا يغتروا بالمزايا المفخخة لمهنة التعليم.
لا توجد تعليقات في هذه الصفحة.. كن أنت أول المتفاعلين!