ماذا يعني أن تكون مربيا في منظومة لا زالت قيد الإصلاح

الحرية تي في - الحرية تي في آخر تحديث : 12‏/9‏/2018 22:25

يونس الراوي

received_10211449179974487.jpeg (41 KB)

ستجد نفسك مع أول يوم من توقيع محضر الدخول تنتظر استقرار البنية التربوية وإذا استقرت في أكتوبر فاعلم أن مؤسستك محظوظة.
ستضطر لتغيير المستوى بعد أن قمت بإعداد كل الوثائق البيداغوجية الخاصة به، وإذا احتفظت به فاعلم علم اليقين أن كل ما ستصرف من مبالغ مالية مهمة لن تعوض عليه فأنت لست برلمانيا، وحتى نسخ تقويم المستلزمات والدعم العلاجي سيكون إما من جيبك أو... فالوزارة لا تواكب تصوراتها النظرية ببنية تحتية ملائمة، وقد يتغير المنهاج الدراسي مستقبلا فتجد نفسك تعيد نفس السيناريو من جديد، وحينها ستتقين أن الأستاذ هو الموظف الوحيد الذي يصرف من راتبه الهزيل أصلا على عمله. تقبل الله من الجميع.
ستكون متهما بالتغيب المتوالي والغير المبرر، بعدم الإخلاص والجدية والتقصير في عملك، وعليك أن تثبت براءتك، وإلا فالإعلام الأصفر سيتكلف بتسويد ما تبقى من بياض صورتك في المجتمع.
ستنتظر سنوات وربما عقدا ونصف لكي تستفيد من الحركة الانتقالية، وإن حصل واستفدت منها ستجد نفسك تعمل بمعية زملاء في سن أبناءك أو تلامذتك السابقين، ولجوا للتعليم بعقدة وإجازة وسلم عاشر في وقت أنت لا زلت فيه سجينا للزنزانة التاسعة أو العاشرة، وستتيقن حينها أن شعار تكافؤ الفرص هو مجرد شعار في منظومة لا زالت لا تحفظه أو تعيره أدنى أهمية، حينها تعايش أنك فقط مجرد رقم تأجير بدون حياة اجتماعية.
ستكون أمام مطرقة التفييض القسري وسندان ضم الأقسام وجحيم الاكتظاظ، فإما أنك ستقبل بالوضع كما هو وتستكين، وإما أنك ستنضاف للائحة سوداء للسنابل التي أينعت وينتظرون وقت قطافها، وتذكر دائما أن تتسلح بثقافة الحق والواجب، حينها فقط ستحارب طواحين الهواء وستفوز بلا شك.
ستجد نفسك أمام المستجدات بدون سند تربوي إلا اجتهادات زملاء أساتذة مدراء ومفتشين تطوعوا مجتهدين لا مجبرين ولا مكرهين وشاركوا اجتهاداتهم مع الكل رغبة في تطوير الأداء المهني من أجل خدمة التلميذ وتجويد الفعل التربوي.
ستعاين الهوة بين الخطاب الرسمي والمذكرات الوزارية والجهوية والإقليمية وواقع العمل اليومي ومع زيادة أقدميتك في العمل ستتعلم أن ترسم لنفسك خارطة طريق بعيدا عن كل ذلك، وحين ستسمع مصطلح سياسات عمومية في مجال التعليم فستعرف أنهم يدبرون لأمر جديد.
ستعلم المعاني الحقيقية للتضحية والصبر ونكران الذات في سبيل أداء مهامك وإلا فستكون أمام مهنة المشاق والمتاعب بكل ما تعمل الكلمة من معنى صريح ومعان ضمنية.
ستعاين أن التكوين والتكوين المستمر للأستاذ هو آخر اهتمامات مدبري الشأن التربوي، فلولاه سيظل المربي بدون تحيين لمعطياته ومعلوماته، وسترى بأم عينيك أن التحفيز هو من الطابوهات المحرمة في المنظومة التي تقتل أي طاقة إبداعية أو حس تجديدي، إلا أن تكون من أصحاب الميكي ماوس لتدخل بهجة عابرة على أنفس أطفال خلقت بينهم وبين مدارسهم هوة عميقة.
ستجد أنك مضطر لأن تبحث وتتابع في المواقع والصفحات التربوية لتجاوز اختلالات المناهج، ستبحث في مناهج المربي الأول سي بوكماخ أو القراءة الزرقاء لتفادي مقررات لالة نمولة وسي قردون.
سيشتري متعلموك دفاتر تحمل النشيد الوطني التونسي لأن مبادرة مليون محفظة لا تكفي حاجات ولوازم كل المتعلمين، وستتمنى أن يريد هذا الشعب يوما ما حياة غير هاته، وتنتظر وقد يطول انتظارك أن ينجلي الليل وينكسر القيد، لكن أمل طلوع الصبح لا ينقطع.
ستعين في فرعية لا ماء ولا كهرباء ولا سكن فيها ومعزولة عن أي تجمع سكني بدون أدنى بنية تحتية تحفظ كرامة الإنسان/ المواطن، لا تخف كل ذلك سيصير من ذكريات الماضي، تذكر أنك في مهنة متاعب، وستشتاق يوما ما لراحة ونوم الفرعية، ستحن لذكرياتك مع متعلميك هناك لا تحزن.
ستسمع كلاما كثيرا ومكررا عن عطل الأستاذ وأنه شبعان راحة، ذكرهم أن العطلة تخص التلميذ وأن عطلة الأستاذ هي كباقي الموظفين شهر سنويا، ذكرهم فقط بالتصحيح والتحضير وكل تلك المهام التي تواكب عملنا اليومي.
ستختبر عن قرب مقولة أن الحقوق تنتزع ولا تعطى، ستناضل إما عن قناعة وإما مكرها أو إمعة، المهم أن التاريخ سيسجل كل مواقفك بالتفصيل الممل.
ستتابع عبر مواقع التواصل الاجتماعي نقاشا عموميا محتدما بين مدافع ومعارض، لكن كن متيقنا أن المعركة حينما تتحول لأرض الميدان فإنك إن كنت حاضرا فلن تجد إلا القلة القليلة، بعد أن بادر لمخيلتك أن كل تلك الحشود الإلكترونية ستحول معركتها من النت للميدان من أجل تحقيق مكاسب حقيقية، حينها أنت بين خياران كلاهما مر فلك حرية الاختيار وتذكر أن التاريخ لا زال يحمل قلما.
ستكون أمام سيناريو ممنهج يسبق تنزيل أي خطة لا شعبية تخدم بالأساس مصالح طبقات نافذة، سيوجهون أحدهم ليصرح، لقياس مدى تفاعل الرأي العام والتربوي معه، إذا قل التفاعل سيتم التمرير، وإذا حدث وخلق منه نقاش عمومي فإنهم سيسحبون مؤقتا وكن متيقنا أنه سيمررونه صيفا، لا لتزامنه مع عطلته، أو عطالة سياسييك ومن يمثلونك، ولكن لأنهم ألفوا أن القلة القليلة التي اعتادوا رؤيتها في الساحات لكن تستطيع تحريك مياه راكدة تخفي تحتها ما تخفيه الكتل الجليدية تحت الماء، وما خطط التقاعد والتعاقد والدارجة إلا مجرد أمثلة بسيطة.

يتبع

ماذا يعني أن تكون مربيا في منظومة لا زالت قيد الإصلاح
رابط مختصر
12‏/9‏/2018 22:25
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء أسرة "الحرية تي في" وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.