محمد الشمسي
سيذكر التاريخ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باعتباره أغرب رئيس وصل إلى مقصورة قيادة أقوى دولة ، الرجل هو عبارة عن ظاهرة ناطقة متجلية ، وهو مثال حي لآفة زواج السياسة بالمال ، حيث تصبح المصلحة أم المعارك، ويبهت لون القيم والمبادئ وتصير مثل قماش رث متقادم ، وتُكال حقوق الإنسان في ميزان الخضر ، وتباع للكيلو غرام .
لكن حالة الطقس لدى الرئيس ترامب ليست على ما يرام ، فهناك سحب داكنة تتشكل فوق سماءه ، يتخللها رعد وبرق ورياح كاسحة تجر الرجل جرا نحو عقوبة العزل ، لأنه ببساطة استغفل الأمريكيين وأراد استغلال منصبه لتحقيق مآرب انتخابية شخصية ، ثم إنه اقترف الكبيرة حين طلب الدعم لغايته تلك من دولة أجنبية ، لذلك فإن السيدة بيلوسي تفتل لترامب حبل المشنقة السياسية فتلا وعلى مهل ، وما ثبت أن رئيسا أمريكيا دخل طاحونة العزل في مجلس النواب ونجا من الرحى ، لذلك لا غرابة حين نقول أن أيام ترامب باتت معدودة ، وأن خروجه من البيت الأبيض ودخوله السجن هو قاب قوسين أو أدنى .
3لكن الموت السياسي للرئيس ترامب سيخلف بعده يتامى ، هم يتامى ترامب ، أولئك الذين يسبحون بحمده ، ويولون وجوههم شطر بيته الأبيض في صلواتهم ، أولئك الذين يشترون ابتسامته الصفراء بالملايين ، وآخرون حسبهم أن يرضى عنهم ، ينشرحون لملاقاته ولو وصفهم بأبشع النعوت ، أول يتيم 3سيخلفه ترامب هو الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي يبدو بدون ترامب مثل مريد بلا شيخ ، أو مثل خنفساء بلا روث ، فترامب هو صمام الأمان للسيسي لكي يبقى فرعونا ، ولكي يضرب في المليان كلما حاول ما تبقى من الثوار الثورة على طغيانه ، و السيسي الذي يغازله ترامب بعبارة "ديكتاتوري المفضل" فخور أن يحظى تلك الحظوة من رب البيت الأبيض، وترامب يريد من مصر السيسي أن تكون القلعة الحارسة للخصر الإسرائيلي ، وأن تكون زبونا مخلصا للسلاح الأمريكي ، وأما تصنيف الإخوان كحركة ارهابية ، وغض البصر عن آلاف المعتقلين السياسيين ، وعن الوحشية في التعامل مع المعارضين فتلك مجرد تفاصيل ، يحدد لها ترامب ثمنا ويوم الدفع يغرد ترامب على تويتر بما تشتهي نفس الدافع .
وثاني اليتامى هو النظام السعودي بكل مكوناته ، فآل سعود دفعوا له المال على حبه ، والعالم يذكر غزوة مكة التي عاد منها ترامب ب400 مليون دولار ، ولم ينقصه سوى ألف ناقة وقصيدة من 5000 بيت شعري والعشرات من الجواري مع قِرَبِ النبيذ المعتق ، فقط لأنه حل بالسعودية ورقص مع راقصيها ، وكان برفقته صهره كوشنير وثالثتهما إيفانكا التي عادت بدورها بغنيمة مالية مليحة ، حتى إذا قفل ترامب عائدا إلى وطنه محملا بخزائن المملكة ذكر أهلها بسوء وهجاهم ، وأخبرهم أنهم سددوا له ثمن حراسته لهم ، وستبقى السعودية بعد عزل ترامب وجها لوجه مع عدوها الإيراني الذي يتقوى و يتجدر والمملكة ترتعش وتقتني الأسلحة لكن بلا طائل ، وإذا ما تحققت نبوءة عزل ترامب فإن قطع الشطرنج السعودية ستنهار وتتكسر وتنقلب الطاولة ، ولا غرابة أن يعرف منصب ولاية العهد تغييرا ، لأن الحالي صنعه ترامب على عينه وألقى عليه محبته .
ثم هناك يتيم ثالث وهو نظام الإمارات العربية المتحدة الذي أغواه ترامب وجعله يتمدد فوق حجمه ، وباتت الدولة على صغر مساحتها وقلة ساكنتها تستأجر الجيوش لاحتلال دول وقصف دول أخرى وزعزعة استقرار دول ثالثة .
أما إسرائيل فلن تعيش يُتما بعد ترامب ، لأن ولاء المرشحين لرئاسة أمريكا لإسرائيل هو فرض عين وفرض كفاية وواجب بل هو من شروط الإيمان وأركانه ، ثم إن ترامب لم يقدم أية هدية ذات قيمة لإسرائيل ، فأما عن جعل القدس عاصمة لها والإقرار بالجولان جزءا من أرض الاحتلال فذاك لا يعدو تحصيل حاصل ، وكأن هناك من يخبرنا أن الغراب أسود اللون ، فالقدس محتلة إسرائيليا وإسرائيل تنسف معالم المدينة المقدسة وتبني على أنقاضها مدينة يهودية الهوية ، وإرجاع القدس لفلسطين لا يمكن تصوره حتى في أفلام الخيال العلمي ، وكذلك شأن الجولان .
في الختام يسير ترامب نحو مصيره ، وتتبخر أحلام أيتامه من بعده ، لتتحقق معادلة طالما حاول الطغاة طمسها وهي أن الشرعية ليست سروال "دجينز" يمكن استيراده من أمريكا وغيرها ، بل إن الشرعية تستمد من الشعب ، ونقول ليتامى ترامب "الله يعوض محبتو صبر" ونزيدهم "لا عاصم لكم اليوم ".
مقال اكثر من رائع. اصحح فقط ان المبلغ الذي سلبه ترامب في غزو مكة كان بالمليار وليس بالمليون. اي ليس فقط 400 مليون $ وانما 400 مليااااار $ .. بحر من البنكنوت.