الخدَّاع.. والخدَّاعون

الحرية تي في - الحرية تي في آخر تحديث : 27‏/9‏/2019 16:38

 

received_1308215509356256.jpeg (43 KB)
د. أمينة مدرك 

"الخَدَّاع" - بفتحة على الخاء و فتحة و شدة على الدال - رجل كان يجوب الأزقة بحقيية من ورق مقوى بها مصباح و أشرطة . و يختار ساحة في الحي بها جدار؛ و يلم الأطفال مساء ليتفرجوا على سينما الحائط. !!
طبعا القصة لم اعاصرها انا و لا أنتم ،ولكنها رواية ابي عن ذكرياته لما كان طفلا:
قال أبي أن الخداع كان يأتيهم بكل شيء جديد ،و يروي لهم عن غاندي و عن الحرب وعن تشترشل و ستالين و لينين. كان يحدثهم عن روسيا و عن الصين و يبث لهم الصور على الحائط . و هم أطفال ،مشدوهون بقصص الخداع ،و ينظرون كيف يتحول الجدار المخروب المائل للسقوط الى سور الصين العظيم و عليه الجنود و الدبابات ثم يتحول إلى حدائق لوندرا ثم ينتقل بهم إلى بلاط الملك فاروق بالقاهرة.!!! ينتقل بهم الخداع في شريط وثائقي نادر عما يدور في بقاع الأرض. سينما بريطانية و أمريكية وقصص فرنسية و حملات هتلر و نابليون. قال أبي أن عرض الحائط هذا كان أغلى من البلياردو ومن اكتراء دراجة و من راوي الحي. الراوي يحكي وهذا يصور على الجدار.
و أحيانا كان الخداع يلعب باصابعه أمامهم و تنعكس ضلالها على الحائط بعامل إسقاط الضوء؛ فتبدو لهم أرانب و ثعالب و جمال و هامات غريبة تبهرهم.
بعد منتصف الليل و في الظلام، يحمل الخداع امتعته في حقيبته ويجر جيوبه الثقيلة بدراهم الأطفال و يمضي.
بالنسبة لأبي كانت المسألة من ماض قديم جدا و يروي ويضحك من سذاجته ،قائلا إنه كان في الصباح يجري و يتفقد الحائط هل بقي به أرنب أو رجل أو باخرة ؛فلا يجد إلا ثقوب الجدار الذي مثل دور سور الصين العظيم بالامس.
أما بالنسبة لي، فالخداع صار خداعين و بلا حصر.!! يأتون بحقائب دبلوماسية من ورق مقوى بحصانة منيعة.. يعرضون علينا مشاريعهم و انجازاتهم و كيف سيحاكون الصين و لندن و باريس . مشاريع على ورق تبث على شاشات العرض البائس. ثم يلوكون الأرانب باصابعهم امام اعيننا .و في الليلة الظلماء يحملون حقائبهم و جيوبهم مثقلة بميزانيات الشعوب ، ثم ينهون فترة ترشحهم. ونعود نحن إلى الحائط الآيل للسقوط و الى الطريق المليء بالحفر.
و لا أثر لروايات الأمس .

 

الخدَّاع.. والخدَّاعون
رابط مختصر
27‏/9‏/2019 16:38
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء أسرة "الحرية تي في" وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.