د. أمينة مدرك
"الخَدَّاع" - بفتحة على الخاء و فتحة و شدة على الدال - رجل كان يجوب الأزقة بحقيية من ورق مقوى بها مصباح و أشرطة . و يختار ساحة في الحي بها جدار؛ و يلم الأطفال مساء ليتفرجوا على سينما الحائط. !!
طبعا القصة لم اعاصرها انا و لا أنتم ،ولكنها رواية ابي عن ذكرياته لما كان طفلا:
قال أبي أن الخداع كان يأتيهم بكل شيء جديد ،و يروي لهم عن غاندي و عن الحرب وعن تشترشل و ستالين و لينين. كان يحدثهم عن روسيا و عن الصين و يبث لهم الصور على الحائط . و هم أطفال ،مشدوهون بقصص الخداع ،و ينظرون كيف يتحول الجدار المخروب المائل للسقوط الى سور الصين العظيم و عليه الجنود و الدبابات ثم يتحول إلى حدائق لوندرا ثم ينتقل بهم إلى بلاط الملك فاروق بالقاهرة.!!! ينتقل بهم الخداع في شريط وثائقي نادر عما يدور في بقاع الأرض. سينما بريطانية و أمريكية وقصص فرنسية و حملات هتلر و نابليون. قال أبي أن عرض الحائط هذا كان أغلى من البلياردو ومن اكتراء دراجة و من راوي الحي. الراوي يحكي وهذا يصور على الجدار.
و أحيانا كان الخداع يلعب باصابعه أمامهم و تنعكس ضلالها على الحائط بعامل إسقاط الضوء؛ فتبدو لهم أرانب و ثعالب و جمال و هامات غريبة تبهرهم.
بعد منتصف الليل و في الظلام، يحمل الخداع امتعته في حقيبته ويجر جيوبه الثقيلة بدراهم الأطفال و يمضي.
بالنسبة لأبي كانت المسألة من ماض قديم جدا و يروي ويضحك من سذاجته ،قائلا إنه كان في الصباح يجري و يتفقد الحائط هل بقي به أرنب أو رجل أو باخرة ؛فلا يجد إلا ثقوب الجدار الذي مثل دور سور الصين العظيم بالامس.
أما بالنسبة لي، فالخداع صار خداعين و بلا حصر.!! يأتون بحقائب دبلوماسية من ورق مقوى بحصانة منيعة.. يعرضون علينا مشاريعهم و انجازاتهم و كيف سيحاكون الصين و لندن و باريس . مشاريع على ورق تبث على شاشات العرض البائس. ثم يلوكون الأرانب باصابعهم امام اعيننا .و في الليلة الظلماء يحملون حقائبهم و جيوبهم مثقلة بميزانيات الشعوب ، ثم ينهون فترة ترشحهم. ونعود نحن إلى الحائط الآيل للسقوط و الى الطريق المليء بالحفر.
و لا أثر لروايات الأمس .
لا توجد تعليقات في هذه الصفحة.. كن أنت أول المتفاعلين!