تحقيق: نجاة حلمان
من ينظم حملة المقاطعة ؟ أليس المجتمع ؟
إذن ،أين هم المسؤولون أو بمعنى اخر أين هم السياسيون ؟ أين المؤسسات والحكومة والحمالات والإعلانات والهتافات السياسية ؟ أليس الرجل السياسي هو الرجل المهتم بشؤون الجماعة وطريقة عملها من خلال العمل السياسي ؟ أليس الأساس الذي يقوم عليه هي السياسة ، وهي بالمعنى الأقرب هي طريقة التعامل في المجتمع من خلال مجموعة من الاليات والميكانيزمات التي يستخدمها الرجل السياسي في حل المشاكل بالطريقة الصحيحة بصناعة قرارات تكون في خدمة المجتمع .
تمثلت صرخة المجتمع من خلال حملة مقاطعون ، والتي حققت نجاحا صرح به العديد من أصحاب المحلات لبيع المواد الغذائية ،حيث بين أن المنتوجات المقاطعة قل عليها الإقبال بشكل ملحوظ من طرف المستهلك، مما جعل البقالين يتفادون أخذها من الموزعين ما دامت المقاطعة مستمرة وناجحة، يمكن جديا أن نقول أن المقاطعة ناجحة من هذه الناحية، ومن ناحية أخرى ظهرت منافسة خفية هي الأخرى تساهم في انتاج المقاطعة انطلاقا من الرقعة الصغيرة التي يتعامل معها المستهلك بشكل يومي، ألا وهي البقال، ذلك البائع بالتقسيط.
نجد أن عددا من أصحاب محلات بيع المواد الغذائية، الذين كان موضوع هذا التحقيق، عبروا بأنهم بدورهم من جملة المستهلكين، رغم أنهم حلقة من حلقات تسويق الانتاج، لذلك فإن ما يريده الشعب هو جوهر إرادتهم، لأنهم من الشعب، لأن الشعب "هو الذي نأكل معه طرفة الخبز' أما الناس الأخرين، فلا علاقة لهم بهم، يسمعون عنهم في الإنتخابات والحملات السياسية ويرون صورهم وأسماءهم فوق الأغلفة والصحف فقط، وليس لهم بهم بمعرفة.
تساؤل جد مشروع ينتاب الباحث في هذا الموضوع، كيف يكون البقال حلقة من حلقة بيع المنتوج، وفي نفس الوقت هناك ضرر محتمل لاحق به، ومع ذلك يساند المقاطعة رغم إضرارها به، هل هذا معقول؟
لكن الجواب كان غريبا، فحملة المقاطعة حققت لهم تزايدا في نسبة هامش الربح، ووضحوا ذلك بقولهم "أن شركات منافسة دعمتهم بمنحهم منتوجا بثمن 3 دراهم عوض المنتوج المقاطع الذي يأخذونه بثمن 3.25 دراهم ، إضافة إلى أن منتوج الحليب المقاطع يحتوي على نسبة 0.450 لتر في حين أن منتوج الحليب عند الشركات الأخرى المنافسة يحتوي على نسبة 0.500 لتر ومع دعمهم بالزيادة في هامش الربح وجدوا أنفسهم مضطرين لتسويق المنتوج المنافس، دون أن يبالوا بحملة المقاطعة" حقيقة أن الكثلة الإجمالية للحليب لم تتزايد بل أصبحت أقل من المعتاد لعدم قدرة الشركات المنافسة على تغطية الاحتياج كاملا، ولكن مضاعفة هامش الربح جعلت البقال غير متأثر بالمقاطعة، وطور علاقته مع المنتوج المنافس، وأصبح حلقة وفية جدا بينه وبين المستهلك يصعب على المنتوج المقاطع فك شفرتها بسهولة.
ما حدث مع البقال، أمر غريب يستدعي أكثر من وقفة وأكثر من تحليل.
من جانب آخر، عرفت محطات افريقيا تراجعا في الإقبال عليها مما يؤكد أن حملة المقاطعة حققت نجاحا لم يكن متوقعا، حتى من قبل المقاطعين أنفسهم، الذين عبروا عن موقفهم ضد الأسعار المرتفعة بعيدا بعيدا عن كل تشاحن سياسي، أو تراشق كلامي ( الخونة ، المداويخ، القطيع ، الجيعانين ... ) من طرف من وكلهم الشعب للنيابة عنه وتدبير مصالحة، لا أحد يستطيع أن ينكر الحق في المقاطعة، والحق في الاختلاف، إلا في مجتمع غير ديمقراطي، ومن داخل مؤسسات غير تمثيلية، حيث تتسع الهوة يوما بعد يوم بين المجتمع والنخبة السياسية وخصوصا عندما تصبح ذراعا أماميا للنخبة الاقتصادية.
رسالة السياسيين كانت واضحة، عبر عنها غيابهم من ساحة المقاطعة وكذلك الأحزاب السياسية ، رغم أن دورها هو تأطير المواطنين، والتفاعل معهم حتى وإن كانوا في وضع خاطئ، فإن بعض مناضلي الأحزاب نصبوا أنفسهم مدافعين عن الشركات، ومناهضين لحملة المقاطعة.
وباعتبارنا من مستهلكي المحروقات، يكاد يقع إجماع بين بعضنا، أنه بالقدر الذي يوجد تنافس شرس في خانة مقاطعة الحليب بظهور المنتوج المنافس يسعى للسيطرة على السوق قبل انتهاء المقاطعة، فإن الوضع قد ظهر كأنه معكوس بخصوص حملة مقاطعة إحدى شركات تسويق المحروقات، فظهرت مجموعة من التصريحات هنا وهناك تتبنى مواقف متعددة خلاصتها أن هناك نوع من تعاون علامات أخرى تظهر ظاهريا منافسة للمنتوج المقاطع، بينما هي فعلا تدعمه في محنته.
لا توجد تعليقات في هذه الصفحة.. كن أنت أول المتفاعلين!