إن الخطأ الذي وقعت فيه الصناعة الإيرانية بخصوص الصواريخ بعيدة المدى، او العابرة للقارات، او الصواريخ الباليستية كما تسمى أيضا... أنهم إعتمدوا على المعلومات القادمة من الصناعة الغربية كليا. حيث أن هناك الكثير من التحريف فيها، وهذا ما سنناقشه في هذا المقال.
كان ينقص الإيرانيين التجربة لكي يتأكد لهم أن معلوماتهم الصناعية العسكرية خاطئة، وها قد حدثت التجربة، وتبين بوضوح الخطأ الكبير في دقة إصابة الاهداف.
في الحقيقة، هناك شكوك حول العملية نفسها، حيث أن هناك اراء مدعمة بدلائل معتبرة تشير إلى أنها مجرد مسرحية لتمرير قتل #قاسم_سليماني والمتفق على إنهاء دوره بين الأمريكيين والإيرانيين أنفسهم، وكانت الضربة مجرد حل وسط لحفظ بعض من "الهيبة" الإيرانية التي تم ضربها في العمق بقتل جنرال يقال انه ثاني أقوى شخص في إيران من جهة، ولتنفيس الغضب الشعبي داخل إيران من جهة أخرى.
لكن كون هذه العملية مجرد تمثيلية لا يمنع أن تكون الضربة دقيقة دون التسبب بأي خسائر في القوات الأمريكية بكلتا القاعدتين، عوض أن تحيد عن هدفها بعشرات الكيلومترات، وتجد صاروخا سقط بعيدا قرب منزل مدني كاد يتسبب في إبادتهم، واخر يصيب #الطائرة_الأوکرانیة ويؤدي بحياة مائة وبضع وسبعون شخصا، منهم 82 إيرانيا !
كما أنها ليست التجربة الأولى، فقد سمعنا كثيرا عن أخطاء الصواريخ الإيرانية من قبل وحتى نوعيات مختلفة منها، منها على الأخص في سوريا حيث استخدم العديد منها وكلها تقريبا أظهرت عيوبا تصل لحد وصفها أحيانا بالقاتلة (أنظر المصدر رقم 1)، حيث أنه في إحدى العمليات كان يفترض أن تصيب بعض الصواريخ أرتالا من مجموعات مقاتلة ضد الميليشيات الإيرانية والجيش السوري في مناطق قريبة من الحدود العراقية السورية داخل أراضي هذه الأخيرة.. وعوض ذلك سقطت الصواريخ داخل العراق وبعضها أصاب مجموعات عراقية موالية لإيران نفسها !
تكرار هذه الأخطاء بهذا الشكل وفي نوع محدد من الصناعات (الصواريخ طويلة المدى) يجعل من الأمر يبدو واضحا.. هناك خلل فاحش فيها لا محالة.
شخصيا، أرجح أن المشكلة في الحسابات الجغرافية، أما التقنية فلن تؤثر في كل مرة على جانب واحد ووحيد يتعلق بالمسافة بين الهدف المطلوب ومكان سقوط الصواريخ.
طبعا، حساب المسافة الفاصلة لن يكون مشكلة، بالعكس، في هذه الضربة كمثال، نعلم أن القواعد العسكرية الأمريكية معلومة الحيز الجغرافي، وكون إيران ترتع في العراق منذ ما يقارب عقدين من الزمن يجعل من إحتمال الخطأ في قياس المسافة امرا مستحيلا.
هناك نقطة خاطئة في المعلومات المنشورة حول الصناعات العسكرية، ويبدو أنها محشوة عمدا ولا أساس تجريبي لها، ويتعلق الامر بمراعات "إنحناء" الأرض في المسافات الطويلة.
قبل التطرق لها، لنؤرخ لأهم المعلومات المنشورة حول الصواريخ التي تم إستخدامها أولا.
حسب وكالة "تسنيم" الإيرانية (انظر المصدر رقم 2)، فإن:
- الحرس الثوري استخدم في هذه العمليات صواريخ من نوع "قيام" الباليستية التي يبلغ مداها 800 كلم، وصاروخ فاتح 313 الذي يبلغ مداه 500 كلم.
- صاروخ قيام تم الإعلان عنه سنة 2010.
- صواريخ قيام كانت في هذه العملية مزودة بأنظمة تشويش الرادارات ومزودة برؤوس حربية متعددة.
حسب شبكة "سي ان ان" الأمريكية (انظر المصدر رقم 3)، فإن صاروخ قيام:
- يبلغ طوله 11.5 متر
- الصاروخ قادر على حمل رأس متفجر يزن نحو 635 كيلوغراما
- يبلغ الوزن الإجمالي للصاروخ 6380 كيلوغراماً
- تقول وزارة الدفاع الإيرانية بأن صواريخها هذه تمتاز بالدقة في إصابة الأهداف ويمكن إطلاقها من منصات برية أو بحرية.
أول ملاحظة في النقاط السابقة، ان الصاروخ ليس مخصصا لعبور "القارات" بمعناه الشامل، حيث ان الصواريخ العابرة للقارات يصل مداها الى 10000 كلم، اي فوق عشرة أضعاف مدى هذا الصاروخ. لكنه يظل ذو مدى كبير جدا، ويفترض، حسب النظريات السائدة اليوم ان يشهد مساره إنحناءا فجا لسطح الأرض على طول المسافة التي سيقطعها.
ثاني ملاحظة، ان حديث طهران عن دقة صواريخها يتناقض كليا مع نتائجها في أكثر من موضع، وأخره العملية التي نتحدث عنها هنا.
من جهة أخرى، وحسب شبكة "سي ان ان" الامريكية، فقد قال مصدر عسكرية أمريكي أنهم تلقوا تحذيرا قبل الضربة، وأن "التحذير كان مبكرا بما يكفي لتشغيل صافرات الإنذار وابتعاد العناصر عن طريق الأذى والنزول إلى الغرف المحصنة تحت الأرض".. وهذا يؤكد أنه حتى لو كان الامر متفقا عليه بين الامريكيين والايرانيين، فلا معنى لسقوط جل الصواريخ بعيدة عن أهدافها، إذ يفترض أن اصابتها للقواعد الامريكية لن تسبب ضحايا في الأرواح وبالتالي لا مشكلة تذكر. عكس ما هو حاصل، حيث أخطأت هدفها وانعدمت الدقة التي يتحدث عنها الإيرانيون كليا.
عموما، الصواريخ الباليستية يفترض أن تحلق في المجال الذي يطلق عليه "الفضاء"، ويبدأ فوق إرتفاع 100 كيلومتر. وقد يصل تحليق الحديثة منها إلى إرتفاعات تقارب 1200 كيلومتر (أي مباشرة تحت حزام فان الن)، وهذه النوعية الأخيرة هي التي يصل مداها لعشرة الاف كيلومتر.
في العموم، ينقسم مسار الصاروخ الباليستي إلى ثلاث مراحل مختلفة (انظر المصدر رقم 4).
- مرحلة الدفع: تبدأ هذه المرحلة لحظة تشغيل أوّل محرّك وتتواصل حتّى استهلاك كامل كميّة البروبرغول. خلال هذه المرحلة يُحصّل الصاروخ الطاقة الحركيّة اللاّزمة ليصل هدفه. مدّة هذه المرحلة عادة ما تكون قصيرة نسبيّاً مقارنة بمدّة الطّيران.
- مرحلة الطيران الباليستي: تكون هذه المرحلة في الفضاء وتُمثّل أطول مرحلة في المسار، خاصّة بالنّسبة للصواريخ ذات المدى البعيد. غياب الدفع في هذه المرحلة يعني أنّ مسار الرحلة قد تحدّد بشكل كامل في نهاية المرحلة السابقة.
- مرحلة الدخول في الغلاف الجوي: تختلف هذه المرحلة عن المرحلة السابقة بوجود الاحتكاك بين الهواء والصّاروخ. يُبطّئ هذا الاحتكاك الصّاروخ ويجعله أقلّ توازناً (بسبب الرّياح والاضطرابات الجويّة) ويُولّد كميّة كبيرة جدّاً من الطاقة الحراريّة.
هذه المراحل الثلاثة موجودة في مسارات كلّ الصّواريخ، سواء كانت ذات مدى قصير جدّاً أو عابرة للقارّات. تختلف المدّة الكاملة للرحلة ومدّة كلّ مرحلة حسب الصّاروخ. مثلاً، يقوم صاروخ فاو-2 بمساره في مدّة 5 دقائق و30 ثانية، 60 ثانية منها خلال مرحلة الدفع. يصل هذا الصّاروخ إلى الفضاء لكنّ معظم مساره يكون داخل الغلاف الجويّ. تحلّق الصواريخ الباليستية الحديثة أكثر من 30 دقيقة، 3 دقائق منها خلال مرحلة الدفع ودقيقتان خلال مرحلة دخول الغلاف الجويّ.
في الحقيقة أن المسافة التي سيقطعها الصاروخ طيلة المسافة التي تغيب فيها قوة الدفع (هذا أمر بديهي، وتدعمه إستحالة الدفع في "الفراغ" حسب قواعد الفيزياء، انظر المصدر رقم 5)، أي أثناء التحليق في الحيز المسمى ب "الفضاء"، يمكن حسابها بالإعتماد على قوة الدفع في المرحلة الأولى، وبالتالي سرعة الصاروخ قبل دخوله هذا النطاق، ووزنه الإجمالي، وكذا معرفة متى سيبدأ سقوطه نحو الأرض، وبإعتماد حالة الجو يمكن معرفة مدى تأثير عوامله على حركة الصاروخ (لعل أبرزها سرعة الرياح وإتجاهها)، وهكذا يمكن تحديد الاهداف ومعرفة مكان سقوط الصاروخ بدقة.
إلا أن الوضع يتغير بسبب جزئيات قد تبدو بسيطة للوهلة الأولى، أبرزها تلك التي أشرت لها سابقا بخصوص الإنحناء المزعوم للأرض، إذ باخذه بعين الإعتبار، سيتغير مكان سقوط الصاروخ "نظريا" بشكل واضح جدا، إذ ان أقرب نقطة إيرانية من قاعدة عين الأسد كمثال تبعد عنها بما يفوق 300 كيلومتر، واذا اخذنا ادنى ارتفاع ممكن للصاروخ وهو 100 كيلومتر (اي 328084 قدم)، فان انخفاض الهدف هنا (قاعدة عين الاسد) عن اعلى نقطة في قوس الارض المفترض طيلة تلك المسافة سيكون ضعف مسافة الارتفاع الاصلي، كما في الصورة التالية (انظر المصدر رقم 6):
هذا المتغير المتعلق بإنحناء الأرض جعل من المسافة التي سيقطعها الصاروخ "حسابيا" أكبر بعشرات الكيلومترات مقارنة بالمسافة الحقيقية على سطح مستو تماما دون إنحناء.. ويا "للصدفة"، هذا ما حدث بالفعل !
ولنا ان نطرح سؤالا هنا، إن كان الحساب النظري للمسافة بين نقطة إطلاق الصاروخ وهدفه سيختلف بعشرات الأمتار عن المسافة الحقيقية في حالة إعتبار السطح مستو في مسافة تقدر ب 300 كيلومتر في أدناها و 500 كيلومتر في أقصاها (مدى صاروخ فاتح 313)، فما هو حجم وهامش الخطأ المتوقع بسبب هذا المتغير في حالة الحديث عن ضربات بصواريخ يفترض أن تقطع 10 الاف كيلومتر؟ وهل الدول التي تنتج هذه النوعية من الصواريخ تتعمد التدليس على الاخرين بهذه العلوم "النظرية" الوهمية حتى فيما يتعلق بصناعات عسكرية؟
شخصيا، لا أستبعد الامر، بل أراه عين الحقيقة.
المصادر:
لا توجد تعليقات في هذه الصفحة.. كن أنت أول المتفاعلين!