محمد الشمسي
شل المحامون والمحاميات الحركة داخل ساحة وفناء محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء، صباح الأربعاء 27 فبراير 2019، في وقفة احتجاجية إنذاريه أولى رفضا منهم للمادة 9 من قانون المالية 2020، وقد صدح المحامون ملء الحناجر ضد المادة المذكورة، وهم يضبطون الحكومة تقوم بعملية "غش تشريعي"، أو "تهريب تشريعي"، عن طريق استغلالها لقانون المالية و"حشوه" بمادة هي من صميم القانون المنظم لمسطرة التنفيذ في ثنايا قانون المسطرة المدنية.
وجاءت المادة 9 المغضوب عليها لتلحق تشققات في علاقة المحامين بالسلطة التنفيذية باعتبارها المسيرة للشأن العام، والممثلة للدولة، فقد اختتم نقيب هيئة المحامين بالدارالبيضاء الوقفة بكلمة نبه من خلالها الدولة والحكومة بوجوب تنزيل وتحقيق معاهد تكوين المحامين، والعمل على فتح نقاش حول مشروع القانون الجديد المنظم لمهنة المحاماة لتجاوز عثرات القانون الحالي، مؤكدا أن المحاماة لا يمكنها الاستمرار في استقبال أفواج المرشحين وسط مناخ متكدر وملوث وتصعب فيه الحياة المهنية.
ولم يفت النقيب الإشارة إلى أن المحامين يجابهون "حيف المادة 9" ومعها "جور وقهر الحكومة" ليس من منطلق بحثهم عن مصالحهم أو دفاعهم عنها ، بل تحقيقا منهم للأمانة التي تطوق أعناقهم باعتبارهم أهل الخبرة وصفوة المجتمع والأجدر على مواجهة كل انحراف او زيغ عن صراط القانون..
وإذا كانت الحكومة قد تسلطت على الأحكام القضائية ، ووضعتها في أفران محرقتها في جرأة غير مسبوقة، وجعلت من مجلس النواب وزيرا لها، شدت به أزرها، وأشركته ظلمها، فإن ذات الحكومة لم تُؤتى سُؤلها في ذلك بعد ، وإن هناك محطات تفتيش أخرى تنتظر قانون ماليتها الذي دست وسطه مادة هي ليست من صلب قوانين المالية، على رأسها محطة مجلس المستشارين، ثم محطة المحكمة الدستورية، وحسبنا أن نقول على لسان عمرو بن كلثوم الذي عاش في جاهلية أقل حدة من جاهلية حكومتنا: أبا العثماني فلا تعجل علينا...وانظرنا نخبرك اليقينا"
وسيكون لمحاولة "تغول الحكومة" على الأحكام القضائية، واستغلالها لقانون المالية لابتغاء خنق تلك الأحكام ووأدها، رجع صدى وارتدادات في وجه السلطة التنفيذية ، ستفقدها الصدق والمصداقية، وتسقط شعارات الأحزاب المتكتلة فيها حول سيادة القانون، واحترام الدستور، والامتثال للأحكام القضائية النهائية بروح قانونية ورياضية، لأن ضمان استمرار المرفق العام لا يمكن أن يقدم " شنق الأحكام القضائية" ثمنا ولا مقابلا له، فالدولة التي لا تقوى على تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها هي دولة مفلسة، والدولة التي تداري على إفلاسها بإبطال مفعول الأحكام القضائية النهائية والقطعية ضدها، تؤكد وتثبت الريبة والشك في أهلية وكفاءة وحتى في السلامة العقلية لكل أعضاء حكومتها.
و يثبت التاريخ أن الثورات والاحتجاجات مثل السحب تتشكل رويدا رويدا، ولعل الحكومة الحالية قد جمعت حطب الثورة وراكمته بتراكم إخفاقاتها، ولا ينقص غير الشرارة التي لا أحد يتوقع مداها، فهناك "سائقون فاشلون وطائشون نزقون " تسللوا إلى مقصورة قيادة الحكومة، خفية وتحت ستار صناديق الاقتراع ، وقد حولوا الحكومة إلى ما يشبه عربة تجرها خيول مسعورة، فهل يأتي الفرج من رعونة الحكومة على أيدي المحامين؟، أكاد أجزم في الجواب ب"نعم".
لا توجد تعليقات في هذه الصفحة.. كن أنت أول المتفاعلين!