د. عمر الهواوي
في مشهد صادم ومؤلم وغير مسبوق، حجت أفواج هائلة من الشبان المغاربة، في مدينة أولاد تايمة، نواحي إقليم تارودانت، من أجل التسجيل في لوائح العمل في ضيعات فرنسية.
مشهد لخص صورة الإحباط التي يعاني منها الشباب المغاربة بصفة عامة، وأرسل رسائل بالمكشوف والملموس لمن يهمهم الامر، على فشل كل السياسات المتبعة سياسيا وتعليميا واجتماعيا. والفشل ليس وليد اليوم، بل هو تراكم سنين عديدة من الترقيع والتبرير والتخبط.
فمنذ الاستقلال أثبتت السياسات العمومية فشلها في أكثر من قطاع، بل أبانت عن عجزها في استهداف الشرائح الفقيرة داخل المجتمع، وغياب ثقافة المساءلة والمحاسبة ساهم في تفشي الفساد واستشرائه في جميع مناحي الحياة وعلى جميع المستويات مما زاد من الفوارق الاجتماعية، وانعدام رؤية سياسية واضحة وإرادة حقيقية للإصلاح وهي كلها عوامل متداخلة أدت الى الصورة الصادمة التي تناقلتها وسائل الاعلام.
ان صورة الشباب وهم يتدافعون ويتقاتلون ويتسابقون من اجل التسجيل لأجل لقمة العيش الكريم، تعكس ان المغرب يعيش حالة احتقان وغليان، وقد تتطور إلى الأسوأ إن لم يتم تصحيح الاختلالات القائمة، وتحسين مستوى عيش المواطنين. وعلى حكومة العثماني استخلاص العبروالدروس.
سعد الدين العثماني، الذي صرح في وقت سابق ان المغرب أفضل من فرنسا، في تصريح مستفز لكل المغاربة ولكل العقلاء والذي فشل في إيجاد حل للمشاكل المتفاقمة في كل ميادين خدمات المواطنين البسطاء، جاءه الرد الفاضح الكاشف للحقيقة المرة من شباب رسموا صورة بئيسة وكذبوا كلامه بالبرهان والدليل.
ان صورة الشباب تعكس حقيقة لا جدال فيها أن واقعنا ومشاكلنا وتحدياتنا باتت تحتاج إلى جيل جديد من الكفاءات المؤمنة بمواطنتها، كما باتت تحتاج إلى تغيير شامل في السياسات، كما في العقلية الحكومية التقليدية، بل تحتاج لإرادة صلبة، قوية، لمحاكمة الفساد المتعدد الصفات والقضاء عليه، والتقرب إلى المواطن، والى قضاياه ومعاناته.
ان المغرب أصبح أكثر من أي وقت مضى في الحاجة لجيل جديد من المسؤولين ولنخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، فالمرحلة بصدق تقتضي ضخ دماء جديدة على مستوى المؤسسات والهيآت السياسية والاقتصادية والإدارية، قادرة ومتمكنة لمواجهة أوضاع البلاد والعباد التي تعاني من الاختناق الذي قد يجر المغرب لا قدر الله إلى الأسوأ.
وحتى تحقيق الإصلاح المنشود تبقى هذه صرخة صادقة الى كل المسؤولين ان يسعوا الى احترام سمعة الوطن وان يتحلوا بميثاق حسن التسيير والتدبير لرفع المعاناة عن الوطن وتكريم مواطنيه.
لا توجد تعليقات في هذه الصفحة.. كن أنت أول المتفاعلين!