محمد الشمسي
جاز وصف حكومة العثماني ب"حكومة الكوارث"، ومن يساوره شك يعود الى تقرير قضاة ادريس جطو وما عثروا عليه من قيح الفساد يسيل على حيطان كل وزارة أو جماعة أو مؤسسة عمومية أو شبه عمومية دخلوها ، ولأنها كذلك حاولت حكومة الكوارث مواجهة الكوارث ب"كارثة جديدة"، حيث فرضت على الشعب أداء مبالغ مالية لأجل تأمين تلك الكوارث، وتعويض ضحاياها.
لكن الذي لم ولن تقوى الحكومة على شرحه للشعب، هو ما علاقة جيوب الناس بالمسؤولية عن الكوارث؟،فعلى حد علمي فغالبية الكوارث التي حلت ببلدنا ـ حفظه الله ـ إن كانت قضاء و قدرا فإن هول مخلفاتها هو إنجاز حكومي بامتياز، والطبيعة بريئة من دم كل ضحية جرفته السيول،فالحقيقة التي نقلتها كاميرات الهواتف الذكية للمواطنين أن الحكومة هي السبب المباشر وغير المباشر في رفع خسائر تلك الكوارث في الأرواح كما في الممتلكات،وبالتبعية فهي المسئولة عن تعويض الضحايا وليس الشعب الذي أغرقته تلك الحكومة في كوارث سابقة مرتبطة بصعوبة المعيش اليومي ،ولنفصل أكثر درءا للشبهات،ففي ملعب تزيرت مثلا الذي اجتاحته الفيضانات وقتلت من قتلت وهدمت ما هدمت، من أمر ببناء ملعب في مجرى النهر؟، ومن شيد مستودع الملابس في قلب الوادي؟ومن سمح بلعب مباراة نهائية محلية في ملعب أقيم في جوف السيلان، وفي يوم حذرت مديرية الأرصاد الجوية من تقلبات جوه ، وفي منطقة مستهدفة بتحذيرات الأرصاد الجوية ؟،أليست الحكومة بواسطة وزاراتها التي تمثلها في المنطقة،من وزارة الداخلية التي تمثلها السلطة المحلية من عامل الإقليم إلى مقدم الدوار مرورا بالقايد ورئيس الدائرة والباشا والشيوخ؟، مثلما يمثلها المنتخبون في المجلس القروي هناك؟،أليست وزارة التجهيز؟أليست وزارة الشباب والرياضة؟...وفي حادث الرشيدية حيث جرفت السيول حافلة محملة بقرابة 60 راكبا مات نصفهم تقريبا،هل غلب الحكومة المغربية في شخص وزارة التجهيز بناء قنطرة ب"قواعدها" على واد دمشان تقي عابريها مخاطر السيول؟،وهل غلب وزارة النقل الإعلان عن قطع تلك الطريق بعد فاجعة تزيرت من باب الاحتياط؟،وهل يعقل أن طريقا وطنية رئيسية ومرقمة تفتقد لقنطرة قوية وعالية ؟، أليست هذه تجليات إهمال الحكومة في القيام بواجبها الذي يرقى إلى درجة جريمة تعريض حياة مواطنين للخطر؟، هل تستحق الحكومة محاكمة أم لها أن تصدر مرسوما يلزم الشعب بتغطية مصاريف صندوق تخفي فيه كوارثها ؟.
ومن كوارث هذه الحكومة أنها لم تستند في إقرار مرسومها على أية نتائج لأي تحقيق أو بحث،تقف فيه على حجم تلك الخسائر التي خلفتها "كوارثها"،فقد أعلنت عن زيادة في عقود التأمين بنسبة معينة (اعتقدها 1 في المائة)، هكذا وجزافا وبدون سابق دراسة،والحكومة بذلك مصرة على الاستمرار في التفاعل السلبي مع المستجدات، وفي مباغتة المواطنين بمراسيم طائشة ومزاجية، مثلما كان عليه الحال عند ترسيم الحكومة لساعتها الإضافية ضدا في الحق البيولوجي للإنسان، وضدا في رغبة المواطنين ، بل فرضتها قهرا،فقد كان على الحكومة أن تخبر مواطنيها ـ وذلك أضعف الإيمان ـ بالأسباب الحقيقية ليس وراء هطول الأمطار ولا وراء وقوع فيضانات فتلك مشيئة الله ، بل بحجم الخسائر والسبب الرئيسي الذي رفع من منسوب تلك الخسائر، وتحديد المسؤوليات لترتيب الجزاءات والاتعاظ من الدروس ،فإن كانت الكارثة طبيعية محضة مثل زلزال أو بركان أو إعصار فلا راد لقدر الله، والتضامن والتكافل يصبح واجبا، وإن كان ثمة تهاون وتقاعس من جهة محسوبة على الحكومة في اتخاذ الاحتياطات اللازمة ، فالمسؤولية تقع كاملة على عاتق الحكومة وهي التي عليها تدبر أمر تعويض الضحايا إن طوعا منها أو جبرا بلجوئهم إلى القضاء الإداري .
في الختام فإنه ليس بجديد ولا بغريب أن تحاول الحكومة الاختفاء خلف القضاء والقدر، وهي بذلك تسيء لنفسها لأنها تتهم الله تعالى للتستر على كسلها، فإذا كان لا أحد يهرب من قدره،لأن لكل أجل كتاب،ولن يموت أحد ناقص عمر مثلما لن يعيش أحد أكثر من أجله ولو لثانية واحدة ، فإنه لا أحد يعترض طريق القطار ويتربع في سكته وينتظر وصوله ليمزقه ويتحدث أقرباؤه بعد فاجعته عن قضائه وقدره ومشيئة الله فيه، فذلك انتحار مذموم وقتل لنفس بغير حق ، كذلك هو حال حكومتنا التي تُسكِن البعض منا في مجاري الأنهار، وفي سفوح الفجاج، وعلى ضفاف البحار،ولا تبني قنطرة فوق واد، ولا تصون طريقا عابرة للجبال، وتغض البصر عن العشوائيات والغش في البناء،حتى إذا وقعت الواقعة تحركت لصنع صندوق ضريبي جديد تموله من عرق المواطنين،وتلحقه بالعشرات من صناديقها التي يجهل الناس مداخليها ودهاليزها ...
"حكومة الكوارث" تلزم الشعب بدفع تعويضات عن "كوارثها"
رابط مختصر
لا توجد تعليقات في هذه الصفحة.. كن أنت أول المتفاعلين!